من دفتر الوطن

إلى رام وأبناء جيله

| حسن م. يوسف 

ابني الحبيب رام، لا أزعم أنه بوسعي أن أشعر بشعورك لتشظي أصدقائك ورفاق طفولتك فوق خريطة العالم من أميركا اللاتينية إلى أوروبا، إلا أنكم، رغم معاناتكم أنت وأبناء جيلك، كنتم تمدونني، حتى في أحلك ساعات تشاؤمي، بشحنات جبارة من التفاؤل لأنكم رغم سخريتكم المرة من معاناتكم اليومية لم تسمحوا لمياه مجارير الطائفية أن تتسرب إلى مياهكم الجوفية، رغم أن الحرب القذرة التي تشنها الفاشية الغربية وظلالها المحلية على بلدنا الحبيب سورية ستدخل في عامها السابع بعد أقل من شهر. لهذا سبق أن أعلنت مراراً وأعلن مجدداً أنني فخور بكم أيها الشباب.
ابني الحبيب، أعترف أنني كنت أشعر بشيء من الزهو وأنا أراك تجاريني في السخرية، إلا أنني لاحظت مؤخراً أن سخريتك الذكية اللماحة بدأ يخالطها شيء من التهكم، وشتان بين الاثنين، فالساخر يحاول كشف الصفات الحقيقية المخبأة في الأشخاص والأشياء من حوله مخترقاً قشورها لكشف حقائقها الخبيئة، أما المتهكم فغالباً ما يضمر الاستهزاء والاستخفاف. ولا يتحول الساخر إلى متهكم إلا عندما يقع في اليأس.
والحقيقة أنني بدأت ألمس شيئاً من اليأس في كلامك وفي كلام أصدقائي الشباب. وقد بلغ الأمر بأحدهم أن أرسل لي رسالة من ثلاث كلمات: «يلعن كل شي». لا أخفيك أن مؤشرات اليأس هذه قد أقلقتني أكثر من كل التهديدات التي تعرضت لها سورية، فقد قال لي الحكيم، طبيب السرطان، فيليب سالم الذي هو أحد أبرز العقول التي أنجبتها منطقتنا عبر تاريخها: « اليأس أسوأ من السرطان، بل هو أسوأ من الموت».
وقد قرأت مؤخراً مقالاً مدهشاً عن تجربة علمية أجراها أواسط القرن الماضي عالم الأحياء الأميركي كورت باول ريشتر (1894- 1988) أثبت من خلالها بالدليل القاطع أن العمليات الحيوية في الجسد البشري يمكن أن تتأثر بشدة بقناعاتهم وسلوكهم المكتسب، فقد أحضر مجموعة من الفئران ووضع كلاً منها في إناء زجاجي ممتلئ لمنتصفه بالماء بحيث لا يستطيع الفأر الخروج منه مهما حاول. جاءت النتائج متباينة، لكن متوسط المدة التي أمضتها الفئران وهي تقاوم قبل الاستسلام للغرق كانت خمس عشرة دقيقة.
في المرة الثانية قام ريشتر بإخراج الفئران قبل لحظات من استسلامها للموت، فجففها وتركها تستريح لبعض الوقت، ثم أعادها إلى الآنية الزجاجية من جديد! وقد كانت النتيجة مذهلة، فقد دامت مقاومة الفئران للغرق أكثر من 60 ساعة، بل إن أحد الفئران قاوم لمدة 81 ساعة.
في المرحلة الأولى من التجربة فقدت الفئران الأمل واستسلمت للغرق خلال ربع ساعة، بعد أن تأكدت أن الخروج مستحيل، لكنها في المرحلة الثانية كانت تعلم من خبرتها السابقة أنه ثمة أمل بأن تمتد لها يد وتنقذها في أي لحظة، ولهذا تضاعفت مدة مقاومتها للغرق 240 مرة!
خلاصة هذه التجربة، يا بني، هي أن وجود الأمل يجعل الكائن الحي يكتشف سقف قدراته الحقيقية والتي قد تكون أكبر مما يعتقد بمئات المرات، والمختصون بعلم النفس يؤكدون مدى ارتباط قدراتنا الجسدية بأحوالنا النفسية، فالتفكير السلبي يجعل عقولنا تفرض قيوداً على قدرات أجسادنا، وغالباً ما توهمنا بمحدودية قوانا ومواهبنا.
ابني الحبيب رام، أصدقائي الشباب، لا تسمحوا لمروجي اليأس أن يسرقوا القوى الجبارة الكامنة فيكم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن