الشرق الأوسط إلى مرحلة حساسة من التوتر
| أنس وهيب الكردي
دخل الشرق الأوسط مرحلة حساسة من التوتر الإقليمي، هذا التوتر اضطر جميع الدول في المنطقة إلى حشد قواها وتحالفاتها استعداداً لما سيحمله قادم الأيام.
وتبدي إيران، التي وجدت نفسها في قلب العاصفة الإقليمية، مع تتالي الهجوم عليها من الولايات المتحدة، السعودية، تركيا، وإسرائيل، تريثاً، وتعمل على إرساء حوار مع الدول الخليجية الأخرى، وإبقاء القنوات مفتوحة مع جارتها تركيا. في الوقت نفسه، تجهد طهران لرفع مستوى تعاونها مع موسكو إلى مصاف التحالف الإستراتيجي، على حين يعزز حلفاء إيران مواقعهم في كل من العراق، سورية، ولبنان.
وعلى الرغم من التصريحات السعودية المعادية لإيران، إلا أن طهران أعلنت أمس الأول عزمها إرسال وفد إلى العاصمة السعودية الرياض من أجل بحث مشاركة الحجيج الإيرانيين في موسم الحج المقبل، ويتناغم إرسال الوفد مع دعوة إيران للحوار مع دول الخليج العربي «من دون شروط مسبقة»، لتعزيز أمن منطقة الخليج، وبما يساهم في حلحلة أزمات المنطقة.
ورد المسؤولون الإيرانيون بشكل هادئ على تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في ألمانيا، وصف فيها بلادهم بـ«الدولة الطائفية» الساعية إلى زعزعة استقرار المنطقة وتحويل سورية والعراق إلى «دولتين شيعيتين»، وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي أن بلاده «لا ترغب باستمرار هذا الخطاب بين البلدين»، وأضاف محذراً: «سوف نصبر على تركيا، إلا أن للصبر حدوداً أيضاً».
ووصف قاسمي خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي، تصريحات جاويش أوغلو بـ«غير الطبيعية» وعزاها إلى «الأوضاع المتزعزعة في تركيا»، ومضى قائلاً: «ربما لم يفكروا (المسؤولون الأتراك) بتبعات تصرفاتهم الناتجة عن الغضب وإطلاق أحكام مسبقة، لقد سقطوا في دوامة بسبب سياساتهم الخاطئة، ويريدون صرف الأنظار عن مشاكلهم من خلال طرح هذه القضايا».
وقبل يومين أكد رئيس مجلس الشورى في إيران علي لاريجاني ترحيب بلاده بإجراء حوار مباشر مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية، لكن «من دون شروط مسبقة»، وتربط إيران بين التهدئة في سورية والتوصل إلى تهدئة في اليمن.
هذه اليد الممدودة للدول الإقليمية تأتي وسط تصاعد التوتر الإيراني الأميركي، بعد وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في واشنطن، ولا يخفي ترامب عزم إدارته خوض معركة لدحر نفوذ إيران وحلفائها بالمنطقة بالترافق مع القضاء على تنظيم داعش، وعينه في هذا الصدد على استعادة العراق إلى دائرة النفوذ الأميركي الحصري، وتنظر دول إقليمية لهذه المعركة على أنها معركتها بالذات.
وتدرك طهران أن هذه المعركة تتطلب استعداداً مختلفاً، ولذلك، تضع نصب عينها تعزيز أواصر الصداقة التقليدية مع موسكو، وأشار لاريجاني إلى أن بلاده تسعى إلى «حلف إستراتيجي مع روسيا في منطقة الشرق الأوسط»، نافياً وجود أي خلافات بين موسكو وطهران حول المسائل الرئيسة المهمة في جدول الأعمال الشرق أوسطي وخاصة فيما يتعلق بتسوية الأزمة السورية، وتبدي موسكو إمارات على تفهمها لحراجة الموقف الإيراني في المنطقة. وبالرغم من مواقف إدارة ترامب المتشددة حيال إيران، إلا أن الدبلوماسية الروسية تطالب بإشراك القوات الإيرانية وعناصر المجموعات العراقية وحزب اللـه اللبناني في الحرب ضد الإرهاب، من هنا، الدعم الذي تقدمه الطائرات الروسية لمعارك الجيش العربي السوري وحلفائه في ريف حلب الشرقي، من أجل حجز موقع متقدم لهؤلاء جميعاً في المعركة من أجل الرقة ودير الزور، إضافة إلى الدعم الروسي الجوي لعمليات الجيش العربي السوري وحلفائه في محافظة درعا، وتصر موسكو على حجز مقعد للإيرانيين وحلفائهم وللحكومة السورية على طاولة ما بعد داعش.
وأكثر ما يقلق إيران هو تصاعد احتمالات المواجهة في جنوب لبنان، خصوصاً بعد ترميم العلاقات الأميركية الإسرائيلية على يد ترامب، هذا القلق تعزز بعد الأنباء المعلنة عن سعي ترامب إلى عقد شراكة بين بعض الدول العربية وإسرائيل لمواجهة إيران، ضمن ما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ«صفقة سلام إقليمية»، دفعت محللين أميركيين إلى الحديث عن «شرق أوسط لترامب ونتنياهو جديد».
والتهديد الإسرائيلي المتعاظم، جعل الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه يخرج عن صمته في سلسلة خطابات هدفت إلى إرساء معادلة ردع جديدة عنوانها «مفاعل ديمونة»، وذلك وسط تقارير عن استنفار عناصر حزب اللـه في قرى الجنوب اللبناني.
ولمواجهة احتمالات المرحلة المقبلة تكاثفت الزيارات على خط طهران دمشق بيروت.
ولقد تمكنت الإدارة الأميركية من استعادة ثقة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة والتي بددها الرئيس السابق باراك أوباما، وبنقلات متتالية، أنعشت واشنطن علاقاتها مع كل من أنقرة، الرياض، القاهرة، عمان وأبو ظبي. كما نجحت السياسة الأميركية خلال شهر في دق أسفين «المناطق الآمنة» بين تركيا وروسيا، ومن ثم، تسببت في تراجع عملية أستانا، وهي تعمل على دق «الأسفين الأوكراني» بين إيران وروسيا، ومصير نجاح هذه النقلات الأميركية سيتحدد الشهر المقبل عندما يلتقي الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بنظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني.
وعززت إدارة ترامب من دعمها للحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية ضد تحالف الرئيس اليمني السابق علي عبد اللـه صالح مع جماعة أنصار اللـه في اليمن، ووفرت ضمانة لأمن مضيق باب المندب، ما دفع الإمارات إلى إنشاء قاعدتين عسكريتين في كل من إريتريا والصومال.
أما تركيا، فتنظر إلى وجود عناصر حزب اللـه اللبناني في ريف حلب الشرقي على أنه تهديد لا يقل خطورةً عن تهديد وجود قوات «الحشد الشعبي» في محافظة نينوى العراقية، المشاركة في عملية دحر تنظيم داعش عن مدينة الموصل. من هنا، تنبع النبرة التركية العالية تجاه إيران.
وللرد على ما تعتبره أنقرة تطويقاً إيرانياً مزدوجاً في العراق وسورية، يضاف إلى مخاوفها من تشكيل حزب الاتحاد الديمقراطي كانتوناً في شمال سورية، وتوسيع حزب العمال الكردستاني لمنطقة نفوذه في العراق انطلاقاً من جبل قنديل، اندفع المسؤولون الأتراك وراء تطوير علاقات بلادهم مع إسرائيل ودول الخليج العربي، وتصنف تركيا «وحدات حماية الشعب» الكردية على أنها الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، الذي يشن حرب عصابات ضد الجيش التركي منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وينظر الأتراك إلى العلاقة مع إسرائيل كوسيلة ضغط مزدوجة على كل من حزب اللـه لتحقيق مطلبهم في انسحابه من شمال سورية، وعلى إدارة ترامب لتخفيف اعتمادها على «قوات سورية الديمقراطية»، والتي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، في الحرب ضد تنظيم داعش وبالأخص في عملية الرقة.
ولحشد دول الخليج، لعبت الحكومة التركية «الورقة المذهبية» ضد إيران، إذ هولت من حرب مذهبية بين السنة والشيعة تشعلها السياسة الإيرانية، وحذر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إيران من أن التركيز على نشر المذهب الشيعي سيؤدي إلى «الكثير من الأضرار»، وأضاف: «لقد أودت الحروب المذهبية بحياة 12 مليون شخص في ألمانيا»، في إشارة إلى حرب الثلاثين عاماً في القرن السابع عشر والتي انتهت بصلح وستفاليا.
وكثف يلدريم موقف تركيا من جارتها الشرقية بالقول: «ننتظر منها إسهامات بناءة بخصوص (أمن واستقرار) المنطقة، ولكننا سنشعر بالقلق في حال قيامها بأمور من قبيل توسيع مجال نفوذها». وهنا بيت القصيد في تصريح يلدريم وهو أن بلاده تريد الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
كما نجحت أنقرة في ضرب مزيد من العزلة الإقليمية على حزب الاتحاد الديمقراطي، إذ نجحت في إقناع دول الخليج بتبني مطلبها استبعاد «وحدات حماية الشعب» عن عملية تطهير مدينة الرقة من داعش. وتلبية للمطلب التركي باتت الدول الخليجية تعلق موافقتها على تمويل المناطق الآمنة التي يعتزم ترامب إقامتها في سورية للحد من تدفق اللاجئين، على القبول الأميركي بموقف تركيا من مشاركة «حماية الشعب» في المعركة من أجل الرقة، وعلى أي حال، لا تزال تمسك تركيا بورقة اللاجئين.
أما السعودية فقد باتت أكثر حرية في حربها ضد من تعتبرهم «حلفاء إيران» في اليمن، وهي تستند إلى الموقف الأميركي المعادي لإيران في طول المنطقة وعرضها وبالأخص في العراق واليمن، وإلى التفاهم التركي الروسي حول وقف إطلاق النار في سورية، وإلى تفاهمها مع روسيا على ضمان أمن لبنان، بعد الصفقة التي توصل إليها الجانبان خريف العام الماضي، وأوصلت ميشال عون إلى قصر بعبدا وسعد الحريري إلى السرايا الحكومية.
هذه العوامل المتعارضة ستدفع التوتر في المنطقة إلى مرحلة حساسة بكل تأكيد، خصوصاً مع غياب التفاهمات الدولية لإدارة الصراع في المنطقة، وعلى الأرجح أن تنتظر هذه التفاهمات لقاء ترامب بنظيره الروسي، بعد أن يكون اللاعب الأميركي قد أجرى مراجعة شاملة لسياساته الشرق الأوسطية ما بعد أوباما.