الأولى

ضجيج أميركي إسرائيلي سعودي

| بيروت – محمد عبيد 

كالعادة كلما استلمت إدارة جديدة مقاليد السلطة في البيت الأبيض الأميركي، هب بعض العرب أو بالأصح الأعراب إلى تلمس رضاها وتقديم فروض الولاء لها علّهم يتمكنون من توظيف قدرات هذه السلطة وقواها السياسية والعسكرية للانتقام من لائحة أخصامهم وأعدائهم التي لا تضم بالتأكيد كيان العدو الإسرائيلي.
وفي طليعة هؤلاء، يقدم النظام السعودي نفسه كالعادة أيضاً عراباً «عربياً» لتحقيق النسخة الجديدة من المشروعات والمصالح الأميركية في المنطقة، آملاً أن يسمح له ذلك بأن يسود من جديد على الشعوب العربية والإسلامية مُتجلبباً عباءة خدمة الحرمين الشريفين أو متقمصاً هوية «العروبة» عندما تدعو الحاجة.
وهو في الوقت ذاته، أي النظام السعودي لم يعد خجلاً من إعلان ارتباط مصالحه بمصالح كيان العدو الإسرائيلي بل ذهب أبعد من ذلك عبر ترسيخ معادلة أن وجوده بات متصلاً ببقاء هذا الكيان وسطوته على دول المنطقة.
على هذا الأساس، يحاول قادة النظام السعودي الاستثمار على الحملة السياسية الإعلامية التي أطلقها الثنائي ترامب نتنياهو بحق إيران، متوهمين إمكانية الاستفادة من حاجة هذا الثنائي الافتراضية لتعويم الدور السعودي في المنطقة للوقوف في وجه ما يعتبرونه ويسمونه «التمدد الإيراني» الذي يسعى إلى تثبيت معادلة مواجهة المشروعات الأميركية والأهداف الإسرائيلية بالمقاومة على اختلاف وسائلها وأساليبها وفقاً لكل حالة.
لكن السؤال المُلِح: هل تتطابق القراءة الأميركية لوضع إيران وحلفائها وقدراتهم على التأثير في صراعات وتوازنات المنطقة ومستقبلها مع الحسابات الإسرائيلية المتسرعة أو الرغبات السعودية الواهمة؟
لاشك أن إدارة دونالد ترامب أو أي إدارة سابقة أو لاحقة محكومة بمجموعة من المعطيات الواقعية التي تمتلكها المؤسسة العسكرية والأمنية الأميركية والتي تحتوي على كثير من مواقع التداخل الأميركي الإيراني المحفوفة بالاشتباك حيناً وبالترصد أحياناً أخرى. لذا يبدو أقصى طموح يمكن أن تسعى إلى تحقيقه هذه الإدارة ومعها المؤسسة المذكورة هو تعديل قواعد الاشتباك مع الجانب الإيراني في تلك المواقع وفي مقدمها الممرات المائية وخاصة منها الخليج. على حين إن الحسابات الإسرائيلية تهدف إلى دفع إدارة ترامب لتوجيه ضربة عسكرية لإيران تكون نتيجتها زعزعة ركائز الدولة الإيرانية وقطع قنوات وسبل تواصلها مع حلفائها، ما يفسح في المجال للانقضاض على سورية ولبنان باعتبارهما الحاميتين للقضية الفلسطينية المتبقيتين من دول المواجهة. أما الأوهام السعودية فلا تتجاوز استعدادها لأن تقدم الثمن المطلوب لواشنطن أو لـ«تل أبيب» في مقابل أن تتمكن الإدارة الأميركية الجديدة ومعها الكيان الإسرائيلي من عزل إيران واحتوائها وإجبارها على العودة إلى معادلة التوازنات السابقة ما قبل العام 2003، لكن الأخطر هو اقتناع النظام السعودي أن الثمن قد يكون التنازل عن ما تبقى من فلسطين!
إذاً، تبدو المنطقة في خضم مرحلة من الضجيج السياسي والإعلامي الذي لم تظهر حتى الآن ملامح تحوله إلى حروب صغيرة أو كبيرة يمكن أن تؤسس لرسم خرائط جغرافية وسياسية جديدة فيها. بل يبدو أكثر أن هذا الضجيج الأميركي الإسرائيلي السعودي سرعان ما سيصطدم بوقائع جديدة يفرضها الميدان في سورية والعراق واليمن وفي لبنان وفلسطين إذا دعت الحاجة.
على أي حال، ما زال من المبكر التكهن بما سترسو عليه رؤية الرئيس الأميركي الموصوف بـ«الزئبقي» حول السياسة الخارجية لإدارته، إنما من السهل توقع ما سيكون عليه رد فعل دول وقوى محور المقاومة في حال فكرت هذه الإدارة وحلفاؤها المفترضون بالإقدام على أي فعل عدائي تجاهها.. ومن المؤكد أن رد الفعل هذا سيتجاوز ما فعله صاروخ «ياخونت» الروسي الذي أطلقه حزب اللـه على البارجة الحربية الإسرائيلية «ساعر» خلال عدوان تموز على لبنان العام 2006.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن