في معرض «بالفن منرسم بسمة» يجتمع الفنانون على العطاء … الفنان السوري يؤكد أنه صادق مع نفسه ويحب بلده
| سوسن صيداوي
في العادة، من شفاه الطفولة تنطلق بسمة، ومنها ضحكة، وبعدها تُثلج القلب بالسعادة والفرح، ولكن في بعض الأحيان يكون من واجبنا أن نرسم نحن بسمة، وأن نبتدع سعادة ونرسم فرحة على محيّا من اختارهم اللـه ليكونوا ملائكة الأرض. ولأنّ العطاء هو من نُبل الفن وهو ضرورة لبذل الذات وتحفيزها نحو الأفضل المتبادل لطرفي العطاء، كان لابد من الوقوف وتذّكر الآخرين وتحدّي كل الضيقات المادية، كي نكون في النهاية كلنا… إنساناً، وفي هذه الأثناء ولضرورة وأهمية ما تقدّم وبالتعاون مع مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة وجمعية «بسمة» لدعم الأطفال المصابين بالسرطان. استضافت صالة «الآرت هاوس» بدمشق وبإشراف غياث مشنوق فيها، 21 فناناً تشكيلياً ونحاتاً في المعرض الذي جاء تحت عنوان: «بالفن منرسم بسمة»، تعبيراً منهم عن دعم الأطفال المصابين بالسرطان في سورية، الذي يستمر حتى الـ23 من الشهر الحالي، متضمناً لوحات وأعمالاً فنية تنوعت بين التصوير والنحت، حيث يعود ريع هذه الأعمال لدعم أطفال الجمعية. والجدير بالذكر أنه شارك بالمعرض الفنانون: أسماء فيومي وإسماعيل نصرة وباسم دحدوح وبطرس المعري وخالد تكريتي وريما سلمون وزهير حسيب وصفاء الست وطلال معلا وفؤاد دحدوح ومصطفى علي ونزار صابور وجمانة شجاع وسامي الكور وشادية دعبول وصبا رزوق ولوسي ديميرجيان وماسة أبو جيب ومي أبو جيب ونوار إسمندر وياسر حمود.
نبحث عن خيط ناظم يجمعنا
في تصريح على هامش المعرض أشار معاون وزير الثقافة علي المبيض إلى أن هذه الفعالية تأتي ضمن سلسلة المعارض والفعاليات التي تنظمها الوزارة بهدف تعزيز ونشر الثقافة التي تعكس أحد عناصر الهوية الثقافية والحضارية السورية، متابعاً: «الفن رسالة سامية ولكن يزداد سموها ورفعتها عندما يكون ريع أعمال هذا المعرض لمصلحة الأطفال المصابين بمرض السرطان، وخاصة في هذا الوقت الذي نبحث فيه عن خيط ناظم يجمعنا، لذلك وزارة الثقافة من أهم أهدافها تعزيز ونشر الثقافة السورية الأصيلة والحقيقية، التي جزء منها هو الثقافة الفنية، واللوحات المعروضة في هذا المعرض، تعكس ما أتحدث عنه، وخاصة أن الأسماء الكبيرة من الفنانين سارعوا بشكل تلقائي للمساهمة والمشاركة في المعرض».
الفنان السوري صادق ويحب بلده
اعتبر الدكتور حسان موازيني أن لهذه المبادرة أهمية كبيرة، لأنها تصب في دعم الأطفال المصابين بالسرطان، في ظل التحديات الكبيرة التي تفرضها قساوة ظروف الأزمة من حيث تضاعف كلفة أدوية الأورام، وانعكاسات الأمور على الطفولة التي لا تعي ما يدور من حولها رغم استشعارها وإحساسها بالقساوة «أنا أرى أن هذا المعرض هو الأقوى خلال ثلاث السنوات الماضية، فالمشتركون فيه هم قامات كبيرة، وهذا المعرض هو دليل على أمر جدّ جميل، وهو أن الفنان السوري هو صادق مع نفسه، وهو يحب بلده، وأبناء بلده، وهذا كلام لا أقوله جزافاً، فكلّهم قدّموا لوحات، وهذه اللوحات لو تمّ عرضها في المعارض العالمية لبيعت بمبالغ كبيرة، وأيضاً كل فنان قدّم عملاً بشكل مجاني للأطفال، وهذا الفنان لا يستطيع أن يقدّم لهم المال، إلا أنه قدّم لهم ما يفوق قيمة أكثر من المال، وهو عمله الفني، والموضوعات المعروضة تأتي في خدمة المعرض، وللتعبير عما يجري لهؤلاء الأطفال الذين نسعى أن نرسم على شفاههم البسمة، وليست هي مهمة بقدر أهمية خلق الفرح والأمل في نفوسهم».
ضرورة ملامسة المشاعر الإنسانية
على حين رأى الفنان التشكيلي الدكتور طلال معلا، الذي شارك بلوحة من أعماله، أنه وفي ظل الظروف الراهنة، يجب على الفنانين السوريين المشاركة لأنها فرصة للتعبير عن المشاعر الإنسانية، بوصفهم جزءاً من المجتمع السوري قائلاً: «نحن السوريين باقون، ومرّ علينا الكثير، وضروري أن نتمتّع بتلامس المشاعر الإنسانية، واليوم نحن هنا من أجل أطفال مصابين بالسرطان، وهم بحاجة إلى معونة ومساعدة، والمبادرة كانت من مجموعة من الفنانين، وهذا أقل ما يمكن أن يقدمه المرء منا، إذا لم يكن عنده إمكانيات مادية، فهو يستطيع وبشكل مباشر المساعدة بشيء من الأعمال التي ينجزها، وعادة مثل هذه المعارض، هي شكل من تعاضد اجتماعي، شكل من التعبير عن الإحساس بالآخر، وهي شكل من التعبير عن أمور يشعر بها الفنان تجاه المجتمع وهو لا يستطيع التعبير عنها بشكل مباشر، ولكن من خلال هذه المعارض يستطيع، وأنا أشارك بلوحة هي من الجزء نفسه الذي أنا أعمل عليه، من خلال الصمت أو الوقوف حول ما يجري، والوجوه في اللوحة هي ليست أقنعة، هي وجوه حقيقة ولها علاقة بما يحدث من حولنا في الأوضاع الراهنة، والتشويهات الموجودة، هي الموجودة في ضمائر البشر وليست في شكلهم الظاهر».
بساطة مساهمة الريشة
كما أكدت الفنانة التشكيلية أسماء فيومي أهمية هذه المبادرات لدعم المجتمع السوري، والتي تعكس في الوقت نفسه الحس الإبداعي والإنساني للفنانين التشكيليين، وأنّ ما قدمته هو قليل ولطالما تمنّت لو أنها تستطيع تقديم الأكثر، متابعةً «أعتبر ما قدمته في المعرض مساهمة جدّ بسيطة، وأتمنى أن يكون لدينا شيء آخر نستطيع أن نقدمه، ولكن لا يوجد لدي غير ريشتي، وهذه ليست أول مشاركة لي، وأتمنى أن أشارك في عدة مرات أخرى، وأنا أقصد باللوحة التي قدّمتها، احتفال الأم بطفلها، وطبعا فيها الكثير من الأصابع، لأنني أرى أن للأم أكثر من عشر أصابع، لأنها تعبّر بها عن قدرتها الكبيرة على الاحتضان والعطاء وعلى حنانها، وأنا كفنانة تشكيلية لا أسمي لوحاتي، بل أترك المتلقي هو من يسميها حسب رؤيته لشخوصها وكيف يرى موضوعها».
الفنان يجعلك ترى ما لا يمكن رؤيته
يرى النحات علي مصطفى أن هذه المبادرات مميزة لأنها تخدم الإنسان والمجتمع، قائلاً: «هذا واجبي نحو الأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام، والحقيقة هذه ليست أول مرة أشارك فيها، فالمساهمة في إنقاذ طفل وفي علاجه، هو أمر لا يمكنني أن أعبر عن أهميته بالنسبة لي، وبالنسبة لعملي المقدّم في المعرض، هو وجه محصور في صندوق خشبي، والفكرة منه كيف أنا أهتم بالمستقبل من هذا الوجه، فنحت المادة وتحويلها إلى وجود هو من أصعب ما يكون، ولكن منذ شبابي أنا أرى أفكاري منحوتات بشرية، ولكنها تمشي وتتكلم، ومع الخبرة أصبحت قادراً على تحويل المادة وتطويعها إلى الفكرة التي أراها وأتخيلها رغم أنها موجودة في قاع العقل الباطن، وفي النهاية الفنان هو القادر على أن يجعلك ترى ما لا يمكن رؤيته».