قضايا وآراء

رؤية في العلاقة الأميركية الإيرانية وآفاقها

| عبد المنعم علي عيسى 

من الصعب تفسير الموافقة الأميركية على اتفاق فيينا 14/7/2015 برغم المعارضة الواسعة التي كانت تقف ضده وهي في أغلبيتها من القوى الفاعلة وشريك أساسي في صناعة القرار مثل البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) والاستبلشمت (المؤسسة الحاكمة الأميركية) والبيلدبرغ (المجمع الصناعي الحربي) إضافة إلى وجود شرائح واسعة في الشارع الأميركي كان قد تم تجييشها إعلامياً عبر تسويق صور مشوهة عن إيران، نقول من الصعب تفسير تلك الموافقة إلا في حالة واحدة هي أن صانع القرار السياسي الأميركي كان يرى بحكم كونه المصب الذي تجتمع فيه جميع الأنهر والسواقي ما لم تكن تراه هذي القوى المعارضة السابقة الذكر، وما يراه كان يؤكد أن طهران هي على مسافة خطوة واحدة من صنع القنبلة النووية، فالقبول بـ«المر» هو أمر مبرر في حال كانت الخيارات الأخرى المتاحة هي «الأمر» منه، أليس كذلك؟
نجحت إدارة أوباما في تسويق اتفاق فيينا داخلياً لكن من دون أن تستطيع غرزه في العمق الأميركي وهو أمر يحتاج إلى مساعدات عديدة مثل وجود «لوبي» داعم للسياسات الإيرانية في الداخل الأميركي إضافة إلى أن القوى المؤيدة للاتفاق كانت تسير في طريق انحداري في ظل الفشل في الوصول إلى صيغة توافقية شاملة بين طهران وواشنطن.
مع الخطوات الأولى التي كان يخطوها دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كان هذا الأخير يصرخ ويعلي من صراخه تجاه إيران ولم يطل الوقت كثيراً ليتأكد أن ما من متغير جوهري بين المواقف والتصريحات الانتخابية ونظيرتها العملياتية التي تكشفت من خلال خطاب التنصيب الذي شهده البيت الأبيض يوم 20/1/2017.
وفي تحليل «الانقلاب» الحاصل تجاه طهران من الصعب الاقتناع أن التصعيد الذي اختاره ترامب عنواناً لعلاقته مع إيران إنما هو نابع من حالة مزاج شخصية أو من تركيبة كارهة لإيران أو معادية للإسلام الراديكالي أو حتى إنها ناتجة عن حالة تعصب قومي أو عرقي، بل من الصعب الاقتناع أيضاً أن ذلك التصعيد قد جاء في إطار محاولة للرهان على خلق توازنات جديدة في المنطقة بعدما فشلت تل أبيب في خلقها عبر خمس محاولات متتالية واحدة في لبنان (حرب تموز 2006) وأربع في غزة (2008-2009-2012-2014) لكن من المرجح أن ذلك التصعيد إنما هو ناجم عن إحاطة وإلمام دقيقين بتطورات هذا المسار الفوضوي الذي يسير عليه الشرق الأوسط منذ أن تم تفجير التركيبة العراقية في عام 2003 فقد كان من الواضح أن الأمريكان قد اختاروا العراق لغناه العرقي والمذهبي والثقافي ما يعني إمكان إنتاج أيديولوجيات عديدة خاصة بكل من تلك الحيثيات إذا تعرضت هذي الأخيرة للخطر، وأي خطر أكبر من الغزو والاحتلال؟ إلا أن التقديرات الأميركية قد فشلت –كما يبدو- في إبقاء «المفرخة» العراقية تحت السيطرة بينما «فروخها» لم تعد منضبطة سياسياً ولا عسكرياً ولا دينياً أيضاً ولذلك فإن مخطط ترامب الحالي يسعى إلى تعديل نظيره الذي وضعه جورج بوش الابن، وما يخص إيران هنا فإن المخطط «الترامبي» سيعمل على تجييرها وإخضاعها لإجبارها على المساعدة في تحقيق تلك المرامي.
ولذا قياساً إلى هذه الفرضية السابقة فإن المطلوب أميركياً حالياً ليس ضرب إيران ولا إسقاط نظامها وإنما المطلوب هو «تغيير سلوك هذا الأخير» بما ينسجم مع التصورات الأميركية التي تحضّر للمنطقة، أما الخيارات التي يمكن أن يذهب إليها اتفاق فيينا فهي أحد خيارين اثنين الأول: الذهاب نحو تعديل الاتفاق بما يناسب أهواء «المعترضين» في الداخل الأميركي إلا أن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا في حالة نجاح الولايات المتحدة بـ«قصقصة» الأجنحة الإيرانية وضرب نفوذ طهران في المنطقة وهو ما يمكن أن يوصل هذي الأخيرة إلى القبول بتعديل كهذا، الثاني: أن تذهب واشنطن إلى إلغاء الاتفاق من طرف واحد إلا أن ذلك أيضاً أمر دونه عقبات كبيرة أهمها هو الخلاف الذي سينشأ في أعقاب تلك الخطوة بين الأميركان من جهة والحليف الغربي بكل أطيافه ومكوناته فالدول الأوروبية الخمس (ما عدا الولايات المتحدة) الموقعة الاتفاق لن توافق على إلغائه ولا يبدو حتى الآن أن هناك ثغرة في جدار تلك الخماسية يمكن النفاذ منها أميركياً إضافة إلى أن الإلغاء سوف يؤدي إلى تقوية تيار المحافظين في الداخل الإيراني في مواجهة الإصلاحيين الذين لم تخفِ واشنطن فرحتها بهم في أعقاب فوز الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني بانتخابات 7 أيار 2013 ووصوله إلى سدة السلطة في طهران.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن