قضايا وآراء

دروس في الكرامة الوطنية

| د. بسام أبو عبد الله 

يستطيع أيٌّ منّا أن يطّلع على تاريخ الشعوب القديم منها والحديث ليجد الكثير من القصص، والروايات عن شخصيات ضربت مثلاً في العزة، والكرامة الوطنية حينما يتعلق الأمر بمسلمات وطنية أو بكرامة الدولة، أو بموقف من مستعمر، أو مستكبرٍ، وفي هذا المجال تتعدد الروايات، والقصص التي تفخر بها الأجيال، وتُدرسُ في المدارس، والجامعات، من أجل تعليم الأطفال، والشباب معنى العزة الوطنية.
لكن هذا الأمر لا تجده أبداً لدى نواطير النفط، والغاز على الرغم من أنهم يتعرضون يومياً للسخرية من معلميهم من دون أن ينبسوا ببنت شفة أبداً، وآخر حملات المسخرة، ما قاله الرئيس الأميركي ترامب إنه «ليس لديهم ما هو مفيد سوى المال» وإن بقاءهم مرتبط بتسديدهم للفواتير المطلوبة منهم مقابل وجودهم واستمرارهم، ومع ذلك لم يرم أي منهم عقاله على الأرض تعبيراً عن الامتعاض، أو التأفف، أو حتى الاعتراض على ما قاله (ترامب)، ولم يحلفوا أغلظ الأيمان بالرد المناسب على ما يتعرضون له من إهانات، كما أنهم لم يوعزوا لأساطين الفتاوى الوهابية كي يفتوا بتحريم إهانتهم شرعاً، أو بحرمة التطاول على ولي الأمر، لكنهم يمتلكون الشجاعة، والقوة حينما يتعلق الأمر بشعوبهم، أو بتنفيذ مخططات مطلوبةٍ منهم، فهاهم في صالة الحرب العدوانية على سورية سخروا كل إعلامهم، وفتاويهم، وأموالهم لمهاجمة سورية وشرعنة القتل، والإجرام عليها.
وإذا كان فاقد الشيء لا يعطيه فإن نواطير النفط- والغاز هؤلاء لا يتجرؤون حتى على انتقاد سيدهم الأميركي، فالرئيس أوباما مثلاً وصف ملك السعودية (بالمستبد الغبي)!! ومع ذلك لم نسمع الجبير يرد، أو يسترجل عليه، والصحافة الغربية، والأميركية ممتلئة بالمقالات التي تتحدث عن تفاهة هذه الأنظمة، وسقوطها الأخلاقي، والسياسي، إلا أن ذلك لا يثير الحمية، والنخوة في رؤوسهم الفارغة.
مناسبة الحديث أن السيناتور الأسترالي (نيك كسينوفون) قام بتصنيع ممسحة رسمت عليها صورة ترامب، وكتب عليها عبارة «أستراليا ليست ممسحة»، وعقد مؤتمراً صحفياً ليقدم للصحفيين ذلك علناً، وليقول إن أستراليا حليف عظيم لأميركا لكنها ليست ممسحة لها!!! وبغض النظر عن مدى العلاقة العميقة بين البلدين، فإن السيناتور (كسينوفون) أراد أن يعبر عن رفض (سوء الأدب) الذي أظهره ترامب خلال اتصاله مع رئيس الوزراء الأسترالي، وهو أمر تحدثت عنه الصحافة الأسترالية، والأميركية، والغربية عموماً.
مَنْ منّا لا يتذكر مثلاً رئيسة الأرجنتين كريستينا فيرنانديز دي كيرشنير التي امتلكت شجاعة تفوق شجاعة الكثير من الرجال، والقادة عندما انتقدت في أيلول 2014 ازدواجية الغرب، وأميركا، ونفاقهم، وخداعهم للعالم، فيما يخص الحرب على سورية وحزب الله، وإيران، واتهامها العلني بأن داعش مدعومة من دول معروفة «أنتم تعرفونها أكثر من غيركم، وهي حليفة لدول كبرى أعضاء في مجلس الأمن» كما قالت بالحرف وهذه الرئيسة الشجاعة دخلت التاريخ لأنها عبرت عن رأيها بوضوح وبكرامة وطنية تعكس صدقها، ونقاء سريرتها، ومبدئيتها التي يفتقدها الكثير من القادة، والزعماء في هذا العصر.
أما رئيسة البرازيل السابقة (ديلما روسيف) فقد انتقدت آنذاك أيضاً عدم قيام دولة فلسطينية، واستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية من كيان الاحتلال، ورحبت باستقبال اللاجئين السوريين في بلادها كضيوف، في وقت أغلق الكثير من الدول التي ادعت الصداقة للشعب السوري أبوابها أمام السوريين الذين فروا من ظلامية الإرهاب الداعشي المدعوم من أشباه الرجال في محميات النفط- والغاز.
أخبار كثيرة، وعديدة يمكن تذكرها، والحديث عنها فيما يتعلق بمواقف الحق، أو الكرامة الوطنية، لكننا لا نجدها أبداً في تاريخ هؤلاء الحكام الذين يظهرون (مراجلهم) على شعوبهم، وعلى الدول العربية والإسلامية، ويسخرون الدين، والفتاوى لتدمير شعوب المنطقة ودولها، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتجرأ مثلاً كاتب سعودي، أو عضو فيما يسمى مجلس الشورى السعودي، أو أمير من أمراء العائلات الحاكمة في الخليج، ويصنع (ممسحة) يضع عليها صورة ترامب- أو أوباما، أو أي شخصية أمريكية ليقول لهم كما فعل السيناتور الأسترالي نحن حلفاء أميركا، لكننا لسنا ممسحة لها!!!
الحقيقة أن هذا حلم لن يتحقق، ولا حتى في الخيال، وما نراه أن هناك ممسحة واحدة رسمت عليها صورة وجوه حكام آل سعود، وآل ثاني وغيرهم وتستخدمها أميركا متى شاءت، ومتى أرادت، ومهما تغير اسم الحاكم في واشنطن من أسود إلى أبيض، إلى خلاسي.. إلى… إلى… إلى.
والأطرف من ذلك أن من يسمون أنفسهم هيئة عليا للمفاوضات وغيرهم كُثر يبحثون عن الحرية، والديمقراطية، والكرامة كما يدعون لدى من هم ممسحة لدى أميركا والغرب، فبالله عليكم كيف تستوي هذه الشعارات الكبيرة، مع هذا الواقع المرير والمهين، والوضيع، والذي يحتاج من هؤلاء لقراءة قصة رئيسة الأرجنتين السابقة، ورئيسة البرازيل السابقة، وحتى السيناتور الأسترالي علهم يتعلمون دروساً في الكرامة الوطنية وإن كنت أجزم أن هؤلاء أبناء مدرسة وضيعة، ولا فائدة لهم من قراءة دروس التاريخ، أو فهم عبره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن