شعر ونثر فقط!
| د. راتب سكر
أصبح الشاعر مسعود الفائز مديراً لمؤسسة أدبية تضم مجموعة من الشعراء، وتعنى بنشر القصائد ونقد الشعر، بعد إقرار خطة عملية في هذا المضمار، تُقرّ بعد تداولها في اجتماعات المؤسسة.
جلس على الكرسي الدوار بعد دقائق من تسلمه مهمته، وأعلن خطة النشر التي أخرجها من جيب عريض داخل معطفه، معلناً أن هذه الخطة تخرج من معطفه، كما خرجت القصة الروسية من معطف غوغول (1809- 1852)، بناء على قول فيدور دوستويفسكي (1821- 1881) الشهير: «خرجنا جميعاً من معطف غوغول».
أسهب في الحديث عن غوغول ودوستويفسكي، ولم ينس الإشارة– التي ساقه إليها التداعي الحر- إلى معاصريهما الفرنسيين: أونوريه دو بلزاك (1799- 1850)، وإميل زولا (1840- 1902)، ولما شعر بعض الحاضرين أن وقت الاجتماع شارف على الانتهاء، ما يعني إقرار الخطة من دون مناقشتها مناقشة مناسبة، رفع أحدهم يده طالباً حقه في الكلام، فتم تجاهله، غير أن هذا التجاهل زاد من رغبته في الكلام، فوجدته في هذه الحال يصرخ معبراً عن رفض خطة النشر جملة وتفصيلاً، تعبيراً متأثراً بحالة غضبية امتلكته، لم يستطع منها فكاكاً.
علا صوت الغضب في مناقشة خطة النشر، التي انتهت بإقرار تعديلات مأمولة، وودع كل من المتناقشين صاحبه مؤكداً أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
مرت الأشهر التالية قاسية على صديقي أمس، فقد دبّر كل منهما لصاحبه مكيدة طويلة عريضة قادرة على إفساد قضايا الود، وقضايا أمه وأبيه، وجعل عظامه رميماً. حاول سعاة الخير إصلاح ذات البين، غير أن سعاة آخرين قطعوا عليهم الطرق بأسلاك مجدولة من معادن شتى، فاستخدم كل ساع ما راق له من مخلفات المعامل والخردة في الرد والأخذ، حتى هيمن نسيان خطة النشر ومؤسستها الأدبية، وارتفع الاهتمام بالكيد والوعيد.
وصل خبر استعداد عدد من المؤسسات الثقافية لنشاط واسع يستمر عامين، بدءاً من عام 2016، يعنى بشعر وليم شكسبير ومسرحه، بمناسبة الاحتفاء بمرور أربعمئة سنة على رحيله عام 1616. تذكر الزملاء ما جرى قبل مئة سنة عام 1916، عندما احتفي بمرور ثلاثمئة سنة على رحيل شكسبير، متوقفين على دلالات قصيدتي أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر الشعب حافظ إبراهيم بتلك المناسبة المهمة، فتزاحمت فكر ثقافية متنوعة لتعزيز المشاركات في الاحتفاء الجديد، وراقت الفكرة للجميع، وفي خضم مناقشتها غسل العتب ما علق في القلوب من الشجن، على دروب الشعر والنثر، ما جعل أديباً قديماً يعلق قائلاً، هازاً رأسه: «ليت حياتي من شعر ونثر فقط».