قضايا وآراء

سؤال محرج

| بيروت – رفعت البدوي

لا يحتاج المرء لكثير من التمحيص والبحث العلمي والسياسي وحتى العسكري ليكتشف أن فلسطين القضية المركزية للعرب صارت في آخر اهتمامات بعض العرب خصوصاً هؤلاء الذين يتربعون على عروش البترودولار الموالين لطاعة العم سام والمتحالفين سراً وعلانية مع عدو الأمة إسرائيل المعترفين والمؤيدين لقيام الدولة اليهودية العنصرية الشاذة في منطقتنا العربية المسببة للفتنة والانقسام والاقتتال والخراب والدمار في الحجر والبشر حتى في تسميم عقول أبناء القضية الفلسطينية الواحدة ليتحولوا بين مقاوم يرفع شعارات تدعو إلى التشرذم الفئوي متناسياً الانتماء العربي الشامل والجامع وبين مؤمن بالحلول التفاوضية الاستسلامية التي لن تأتي إلا بالمزيد من الانقسام والتشرذم في مواجهة عدو مغتصب لفلسطين ما أدى إلى حرف البوصلة عن محاربة المحتل لأرضنا العربية في فلسطين لتتحول الأولويات نحو محاربة وقمع كل أشكال مقاومة العدو الإسرائيلي والجنوح نحو التآمر مع العدو ضد الحكومات والأنظمة العربية الممانعة الرافضة للاملاءات الأميركية المؤمنة بمقاومة هذا الكيان الشاذ إسرائيل، وكل ذلك يتم على حساب الأمن والاقتصاد العربي وإنماء وتنمية الإنسان العربي الذي بات يعاني شحاً في الثقافة والإنماء والتطور والإدراك والقدرة على التمييز بين استعداء صديق ممكن الاستفادة من قدراته وخبراته ودعمه المعنوي والسياسي والعسكري في مواجهة عدو الأمة وبين المخاطر المحدقة بكيان الأمة العربية ومستقبل أجيالها والنتائج الكارثية المترتبة جراء تطبيع فكرة اعتراف وتحالف بعض الدول العربية مع العدو الإسرائيلي والسعي للقضاء على حقوق الفلسطينيين في تحرير أرضهم والعودة إلى ديارهم وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
إن بعض الأنظمة العربية المتآمرة تعرف حق المعرفة أن قيام كيان يهودي في منطقتنا العربية والاعتراف به يسهم بقيام كيانات طائفية مذهبية في منطقتنا وعلى أرضنا العربية، والمسلم به أن نتائج ذلك ستكون وبلا أدنى شك هو بروز الأحقاد والتقاتل والتنابذ بين أبناء الوطن الواحد وعلو كعب وتنامي الحركات الدينية الأصولية الإرهابية في المنطقة ما يؤدي إلى القضاء على تماسك المجتمع العربي الساعي إلى تحقيق فكرة القومية العربية.
لقد أمعن بعض العرب في ضرب مفهوم ومبادئ العروبة الجامعة وبات المجتمع العربي منقسماً وغير مستقر سياسياً ومعيشياً يعاني بين نزعة الانتماء الديني وبين الانتماء للهوية العربية في ظل اقتصاد عربي مهترئ وصناديق سيادية فارغة وظروف معيشية ضاغطة ما سبب في جنوح معظم الشباب العربي نحو التخلي عن المبادئ والأولويات وإعطاء الأولوية في التوجه نحو تأمين احتياجات الإنسان العربي والبحث عن سبل العيش الذي يشكل عنصراً أساسياً في الاستقرار النفسي والانتماء السياسي للهوية العربية مع العلم أن هذا الأمر صار صعباً خصوصاً في ظروف أمنية مصيرية بالغة الخطورة يعيشها مجتمعنا العربي.
إن خرائط جديدة رُسمت تهدف إلى تأمين مصالح إسرائيل من خلال تنفيذ مؤامرة تمزيق وتفتيت مجتمعنا بالإضافة إلى تفكيك جغرافيا منطقتنا العربية وجعلها منطقة خاضعة لحكم القبائل والعشائر والمذاهب الدينية تتقاتل فيما بينها في حروب تمتد لعقود قادمة ما يؤمن الاستقرار للعدو الإسرائيلي والاعتراف بيهودية كيانه الشاذ والغاصب لأرضنا العربية.
لا غلو في القول إن مصير منطقتنا وأجيالنا يجري تقريره بالنيابة عنا نحن العرب وإن كل ذلك يجري في ظل تواطؤ بات مكشوفاً من أنظمة البترودولار في إخفاء مبرمج لأي دور عربي فاعل للمؤسسات أو للحكومات العربية في المحافل الإقليمية والدولية مترافقاً مع ضرب أي مشروع عربي قومي بديل من الحركات الأصولية المرتهنة أو لسد الفراغ والضياع الذي تعيشه أوطاننا وأجيالنا العربية وهذا ما خلق هوة سحيقة باتت تتحكم بعملية فرز المفاهيم في مجتمعنا العربي بين مفهوم مقاومة العدو ومفهوم العداء لفكرة لمقاومة.
وقف أحد كبار المسؤولين في الخليج العربي مسهباً في شرح موقف بلاده مما يجري في المنطقة موجها اللوم إلى سورية العروبة الرافضة للحلول الاستسلامية المحافظة على مبدأ ومفهوم القومية العربية الداعمة للقضية الفلسطينية وللمقاومة متهماً سورية المتحالفة مع إيران في استغلال القضية الفلسطينية بهدف بسط نفوذ سوريه وإيران في المنطقة العربية عندها قاطعته متوجها إليه بسؤال محرج قائلاً للمسؤول الكبير لماذا لا تدعمون مقاومة العدو الإسرائيلي وتوجهون طائراتكم الحربية وصواريخكم باتجاه الكيان الإسرائيلي بدل شن تلك الحرب القذرة على سورية العربية وتخريبها وإنهاكها؟ عندها توجه المسؤول الكبير نحوي قائلاً أنت تريد إحراجي بسؤالك أتريد منا محاربة إسرائيل؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن