قضايا وآراء

«أردوغان»… من استدارة إلى أخرى؟

| صياح عزام 

عادت «حليمة إلى عادتها القديمة»؛ هذا ما ينطبق على الرئيس التركي السلطان /أردوغان/ الذي يعاود بين الحين والآخر بعث «أحلامه القديمة» بقوة هذه الأيام… فهو يتحدث الآن عن التوجه إلى (منبج) وبعد ذلك إلى (الرقة)، غير آبه بشيء، وخاصة بوجود ما تُسمى قوات الحماية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية.. ويجدد مطالبته بما يُسميها «منطقة آمنة» بمساحة تقارب 5000كم2 مسيجة وبفضاء يخلو من الطيران الروسي- السوري… ولم يقف السلطان عند هذا الحد، بل تمادى أكثر، حيث دعا إلى جعل المجموعات الإرهابية المحسوبة عليه وعلى أجهزة مخابراته وأمنه نواة (جيش سورية الوطني) في المستقبل حسب زعمه!!
إذاً، هي مواقف ومطالب أردوغانية غابت عن الخطاب الرسمي التركي لعدة أشهر، إلا أنها عادت الآن، لماذا؟
لقد عادت بفعل جملة من العوامل والتطورات الإقليمية والدولية، في مقدمتها: التفاهمات الروسية والتركية التي استغلتها أنقرة للتوغل في الشمال السوري، وحجز مقعد لأزلام أردوغان من الإرهابيين على طاولة المفاوضات الخاصة بسورية في (أستانة) ولاحقاً في جنيف، ثم مجيء الرئيس الأميركي الجديد «دونالد ترامب» بمواقفه التصعيدية على إيران وحلفائها…
«أردوغان» المناور يعول على تقاربه مع واشنطن ويشعر بأن الفرصة مواتية يجب استغلالها، حتى وإن اقتضى الأمر تجاوز التفاهمات مع موسكو، أو إعادة صياغتها من جديد، أو فرض وقائع جديدة على الأرض السورية يصعب على موسكو القفز من فوقها (حسب تصوراته الغوغائية) ولأن «أردوغان» «مهجوس» بما يسميه خطر قيام كيان كردي سوري على حدوده، وبرغبته في قطع الطريق على قيام مثل هذا الكيان المتصل جغرافياً في شمال سورية، أظهر استعداداً للتجاوب مع طلب موسكو في الحرب على الإرهاب، فأعلن الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، بعد أن كان قد فتح مطارات وموانئ وحدود تركيا لمقاتليه المجرمين. وفي اجتماع «أستانة»، قدم رأس جبهة النصرة على طبق من فضة لروسيا، الأمر الذي أدى إلى قيامها بحروب استباقية على مسار أستانة في إدلب وجوارها وفي المنشية بدرعا.
وإمعاناً من أردوغان في استكمال الاستدارة الثانية عن استدارته الأولى، عمل على عدة مسارات متوازية، ميدانياً، عزز نفوذه العسكري في إطار ما يسميها «عملية درع الفرات» وقدم دعماً كبيراً للفصائل الإرهابية الموالية له أو المحسوبة عليه، والأغرب من ذلك أنه سمح لميليشيات تركية قومية متشددة «الذئاب الرمادية» بارتكاب جرائم في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الجيش التركي، أما سياسياً، فقد ذهب بعيداً في تعزيز علاقاته مع السعودية وقطر وغيرهما من دول الخليج العربي.
من جهة أخرى يؤكد أردوغان ارتباطه العميق بحلف الناتو ورغبته الجامحة في التعاون مع واشنطن، وخاصة بعد المكالمة الهاتفية المطولة له مع ترامب وزيارة رئيس الـ«سي آي إيه» إلى أنقرة للغرض نفسه مؤخراً.
لا شك أن هذه «الاستدارة عن الاستدارة» تطرح عدة تساؤلات مهمة وعميقة حول مدى صلاحية واستمرار التفاهمات التي سبق لأردوغان أن أبرمها مع روسيا الاتحادية، بعد أن ازدادت عزلته الإقليمية والدولية وحتى الداخلية، هل ما زالت هذه التفاهمات قائمة وفاعلة، أم إن التطورات قد تجاوزتها، وكيف ستتعامل موسكو مع أردوغان الذي طلب ودها واستنجد بها، في حال تأكدت أن أردوغان قد خذلها وخانها ونكث بوعوده لها، وتفاهماته معها وتعهداته التي قطعها على نفسه؟ بالطبع، لا أحد يعرف ماذا يدور في خلد الرئيس فلاديمير بوتين وكيف سيكون الرد الروسي على أردوغان في حال تنكره لوعوده، إلا أن روسيا أرسلت بعض الرسائل مؤخراً تعبر عن شيء من الاستياء وعدم الرضا عن بعض التحولات في الموقف التركي، منها على سبيل المثال: حديث موسكو عن «أجندة تركية خاصة في سورية»، غير تلك المتعلقة بالحرب على الإرهاب ومنها ترسيم حدود التقدم التركي العسكري على محور الباب، ومنها أن الأتراك يتحملون المسؤولية عن الضربة الجوية الروسية لموقع تركي في الباب، لكونهم قدموا إحداثيات خاطئة عن مواقع «داعش»، علماً بأن أنقرة تجنبت التصعيد حول هذه الضربة خشية من إغضاب موسكو. المهم أن عدة رسائل روسية تحذر تركيا -على ما يبدو- من مغبة الذهاب بعيداً في استدارتها الجديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن