ثقافة وفن

د.هزوان الوز: هذه القصص أفضل علاج لرجل يسابق الزمن.. وينسى أن ينظر إلى نفسه في المرآة

صدر عن وزارة الثقافة والهيئة السورية للكتاب مجموعة قصصية بعنوان «الغشاوة»، للكاتب الروسي يفغيني غريشكوفتس، ترجمة الدكتور هزوان الوز، الكتاب من القطع الكبير يقع في 190 صفحة، يحتوي على خمس قصص صادرة في موسكو عام 2011م، قدم الوز من خلالها صورة عن الأدب القصصي إلى القارئ العربي والمكتبة العربية، والهدف الأساسي ربما تسليط الضوء على الأعمال الحديثة المترجمة وفي هذه المجموعة نجد غريشكوفتس ذا خط مميز في السرد والسعة في الموضوعات المتناولة والخيال الواسع.

ضمت هذه المجموعة قصص (الندبة – استشفاء بقوة النوم – دفن الملاك – السكينة – الغشاوة).
وصدر للوز مجموعة من الأعمال الأدبية منها: عيون في الخريف، حكايا طائر السمرمر، سرير من الوهم، وترجم عدداً من الكتب منها: اثنان وواحدة، حب ميتيا.
وذكر الوز في مقدمة الكتاب تعريفاً عن غريشكوفتس الإنسان والمسرحيّ والقاصّ: «يكتب كما في الحياة- بتردد وتعثر وارتباك. تكتشف فيه كلماتك التي لا تحضرك أحياناً ولا تحضر أياً كان، والأفكار التي لم يفكر بها أحد من قبل، والشعور الذي لا يمكن وصفه. التوقعات لديه صائبة دقيقة، مؤلمة كالوخز، وممتعة كالقبلة، وتتعرف إلى المعتاد يومياً، المعروف جداً، وكأنك تحصل على شيء غير متوقع أو غير منتظر، ثم كأنك تحصل عليه بمصارحة كرسي الاعتراف. عندما تقرؤه لا تفهمه على قدر مدلولاته ومضامينه المعرفية.
إن تجربته الشخصية في الكتابة- تقوم على طريقة استيعاب تجربتنا الشعورية العامة، وهكذا فإن نثر غريشكوفتس هو دائماً محدد ومعبر. والأسلوب خاضع لطموح حجز قطعة من الحياة في مصداقيته اليومية.
يجعلك الكاتب غريشكوفتس تقف على مسافة معينة، وتفكر بعمق وعمق، أن هذه القصص لهي أفضل علاج لرجل يسابق الزمن يومياً، وينسى أن ينظر إلى نفسه في المرآة. تنظر.. تدقق.. فترى أن حياتك ليست من دون معنى، وفيها ما يجعلك تحبها.
واحتوت القصة التي جاءت تحت عنوان «استشفاء بقوة النوم»، على مقارنات ثاقبة بين صورة الأمس ومشاهد اليوم، في سرد واقعي تفصيلي لحياة المدعو «فاديك»، وتفاصيل حياته بكل ثناياها في حالة تقودنا لمعايشة الحالة كما هي بأدق جزئياتها:

استشفاء بقوة النوم
كانت حركة السير نشطة جداً ومتواترة، وبكلا الاتجاهين، وجاء الصباح مكفهرّاً، مثلجاً- ممطراً، لكنه دافئ. وكان آذار يزحف نحو نهايته، بيد أن الثلج ما انفك يهطل ويهطل كل يوم، ثلج سمج لا معنى له، كما يكون عادة منذ آخر شباط وحتى نيسان. إنه الثلج الذي يقول له أي سائق سيارة، وأي سائر في الشارع، أو أي ساكن في المدينة أو على أطرافها، بتذمر صامت: «إيه، توقّف! إلى متى؟ وما لزومك! كفى..».
في قصة «السكينة»، نرى الوصف الدقيق لحال الطقس إلى الأوراق المتساقطة إلى كل ما يجعلك تدخل في عالمها وتغوص في حكاية تسكنك وربما تأخذك معها من دون أن تحس بملل أو ضجر فهذه التفاصيل تعطي إحساساً بالواقعية وتبني صورة مصداقية للحياة، وقدم لذلك برموز شفافة قادرة على إيصال الفكرة.

السّكينة
كان الطقس في حالة تدعوك لئلا تثق بأية توقعات، فقد شارف الصيف على الانتهاء. ومع أن الصفرة لّما تظهر بوضوح على الأشجار، إلا أن الريح قد شرعت تدفع بالأوراق المتساقطة، التي ما زالت خضراء تماماً، إلى الزوايا ومداخل الأفنية. كان الصيف في طور الانتهاء، أو بتعبير أدق، كانت جميع الأحاسيس توحي بأنه انتهى ولم يتبقّ له سوى بضعة الأيام الباقية من شهر آب و..
في «الغشاوة»، نجد أسلوباً حوارياً شائقاً يجعلك تقف وتفكر بعمق أن هذه القصص فيها من الواقعية والتشويق والنوادر المضحكة أو المأساوية التي تتكون منها حياتنا، وفي القصة ما يقارب حياتنا وهذا دليل حسن اختيار القصص التي تشابه حياتنا.

الغشاوة
كولا، لم أنت مضطرب هكذا؟! لا تخف!
هل تريد مقاتلته حقاً؟ وقد يكون ملاكماً.
ولم أنت قلق؟ وماذا في ذلك؟ فإمّا أن يحطّم وجهي أو أشوّه سحنته.
من الأفضل أن نشرب.
سيميونيتش، يكفيك شرباً، لا تشرب أكثر…
كولا! أنت تعرف أنه لا فائدة من القول لي: «لا تشرب، يكفيك شرباً».
«الغشاوة» قصص من الأدب الروسي تقارب مجتمعنا في كثير من القضايا والرؤى، اختارها هزوان الوز لتضيف إلى الذائقة القرائية نماذج من الأدب الروسي وتأتي هذه المجموعة بعد أن خفت الاهتمام بالأدب الروسي الواقعي لصالح أفكار أخرى جديدة، لعل العودة إلى هذه الإنتاجات تجعلنا أكثر قرباً من واقعنا الذي نعيش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن