من دفتر الوطن

منصة فن الممكن!

| عبد الفتاح العوض 

أبسط تعريف للسياسة أنها.. فن الممكن.
مشكلة تعاطي السوريين مع السياسة مثل الذي يتعلم السباحة في دورة أكاديمية نظرية تقام في الصحراء.. أو مثل الذي يلعب التنس على «الآيباد».
كنا نعرف أنفسنا كسوريين أن كل سوري سياسي بالفطرة، وصدقنا مقولة شكري القوتلي التي قالها لعبد الناصر عند الوحدة السورية المصرية.. المقولة المشهورة ومضمونها بأن كل الشعب السوري سياسيون نصفهم يظن أنه من الزعماء والنصف الثاني يظن أنه من الأنبياء.
تعاملنا مع نظرتنا إلى أنفسنا كسياسيين من منطلق أن السياسي هو الذي يستطيع أن «يساير» كثيراً.. والذي ينحني حتى تمر العاصفة.. السياسي الذي يغير رأيه حسب مصلحته.. لم تكن لدينا القدرة على التعامل مع أنفسنا بواقعية.. بأننا شعب يتحدث كثيراً في السياسة لكنه في الحقيقة لا يعرفها.
ولا أقول إنه لا يعرفها لعيب فيه.. بل لأنه لم يتح له أن يمارسها.. فالسياسة أحد الثالوث المحرم في الحياة السورية، بل إذا كان لابد من خرق هذا الثالوث فيمكن خرقه من جناحيه الآخرين الدين والجنس، لكن لا يمكن الاقتراب منه من جناح السياسة لأن هذا الجناح «خطير» جداً فالاقتراب منه يعني السجن، أو الموت!
كل هذا أقوله ونحن نرى التعاطي السياسي مع الأزمة السورية.. وفي جنيف واحدة من تجليات هذا الخلل في فهمنا للسياسة.. أبدأ معكم من الاستخدام اللغوي لكلمة «منصة» لدينا منصات كثيرة الآن.
المنصة تعني المنطقة المرتفعة… بمعنى أن أهل المنصة يمايزون أنفسهم عن البقية بأنهم أعلى من الآخرين.. بالتأكيد لم يفكروا بها لكنهم استخدموها بالعقل المريض الذي يجعل من السياسيين أعلى من غيرهم.
المنصة التي يلقي منها الخطباء مواعظهم على الناس.. المنصة التي تقف عليها العروس.. المنصة التي تطلق منها «الصواريخ»!!
سأتجاوز الجانب اللغوي لأنه على الأرجح لم يتم اختيار الكلمة عن سبق تفكير.. كل ما في الأمر أننا أوجدنا منصة بعد منصة ومنصة مقابل منصة!! لكن الأهم من كل ذلك.. كيف يمارس السوريون «السياسة» إنهم لا يتعاملون مع المبدأ الرئيسي على أنها «فن الممكن» بل يتعاملون معها كما لو كانت «أشعاراً رومانسية» غارقة في الكذب.
فن الممكن يقتضي أن تطالب بما هو ممكن وواقعي.. فن الممكن أن تتحدث عن حاجات الناس وليس حاجاتك.
أما أن تبدأ بلعبة أنك «تفاوض» وتطلب السعر الأعلى حتى تحصل على السعر الأفضل فهذا ينفع في بازار سوق «البالة» وليس في الحديث عن حالة الوطن وحاجة الناس.
ثم هو أمر في غاية الوضوح أن هذه المنصات تحمل أسماء دول… منصة الرياض… منصة موسكو… منصة القاهرة.. وأستنة.. ويمكن أن تقول ثمة منصات لبست طاقية الإخفاء تحمل أسماء كثير من عواصم العالم… ومنصات سلاح تطلق على الشعب السوري المواعظ والخطب والموت، هذا ناهيك عن الاستثمار السياسي الرخيص.
ما تحتاجه سورية منصة سورية واحدة… هدفها إنقاذ السوريين من الكارثة ولا شيء آخر.

أقوال:
إن الدبلوماسيّة هي الفن الّذي يجعلك تقول لكلبٍ شرس: يا لك من كلب لطيف حتى تجد فرصة لالتقاط قطعة من الحجر.
الغباء هو أن تتناول السم وتنتظر موت شخص آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن