قضايا وآراء

أمر عمليات مختلف يمكن الاستدلال عليه

| عبد المنعم علي عيسى

في تموز من العام 2011 وعندما لم تكن الأزمة السورية قد أتمت شهرها الرابع بعد، جاءت الصحفية الأمريكية الأشهر بربارة ووالترز إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد والوقوف (الغربي) على وجهة نظره في ما يدور من أحداث في بلاده كان ذلك اللقاء هو الأول من نوعه ومن المؤكد أن الخلاصات التي كانت ستخرج بها الصحفية الأمريكية من ذلك اللقاء كانت حاضرة حتى قبل أن تطلق أسئلتها أو تسمع إجابات الأسد عليها، فقد كان من الواضح أن ذلك اللقاء كان إيذاناً بفتح أبواب جهنم الإعلامية على دمشق وحكومتها ونظامها في آن واحد ولا حاجة ملحة هنا للتذكير بأهمية الإعلام أو الأدوار التي يمكن أن تقوم به إمبراطورياته العملاقة في الأزمات السياسية حتى تصل في بعض الأحيان إلى تغيير مسار الحروب إن لم يكن حسمها في أحايين أخرى.
كان ما يجب أن تخرج به ووالترز يمثل قراراً قد اتخذته حكومات مركزية عليا وبتوجيه سياسي مباشر منها على أن يتم تعميمه فيما بعد عبر توسيع القاعدة التي يرتكز إليها هذا الأخير وهو ما حصل سريعاً حيث سنلحظ عشرات المنابر التي أفرزتها الضرورة والتي برز منها منبران اثنان الأول هو منبر روبرت فيسك من بيروت والثاني هو منبر جوشوا لانديس من أوكلاهوما، أما ما خرجت به الصحفية الأمريكية والذي أريد له أن يكون عنواناً عريضاً للحرب الإعلامية الطاحنة التي شكلت طابوراً ليس خامساً فحسب بل لربما طابور سابع أو ثامن أيضاً، آنذاك خرجت هذي الأخيرة لتقول: «إن الرئيس السوري منفصل عن الواقع» أو بمعنى آخر إن الرئيس السوري لا يكاد يعرف ما الذي يجري خارج مكتبه أو أنه يصّر على تعميم نظرته على الخارج حتى ولو لم تكن هي الصحيحة.
من المهم هنا الإشارة إلى أن مسألة استمالة الرأي العام الغربي أو توجيهه لا تبدو عملية شديدة التعقيد أو الصعوبة كما هو الحال في الشرق الأوسط لاعتبارات تتعلق بطبيعة الكاريزما الشخصية التي يمتلكها الأفراد فيه (في الغرب) والتي تبتعد عن الخوض في طبيعة الأحداث الجارية أو الدخول في حيثياتها، وأخرى تتعلق بطبيعة الحياة التي يعيشها المجتمع الغربي والبعيدة كل البعد عن ذلك الإيقاع البطيء اللازم عادة لتكوين وجهة نظر متروية في الأحداث وبالتالي اتخاذ المواقف منها على أساس تلك النظرة، وعليه فإنه من الجائز الحكم بأن الإنسان الغربي غالباً ما يشكل أداة طيعّة بما لا يقاس بطبيعة «إنساننا»، وهي غير مجهدة في أتون محاولات استمالتها أو إحداث انعطاف مهم في وعيها أو المسار الذي تسير فيه الأمر الذي يفسر قلّة تلك الانعطافات الجارية في الشارع الغربي حتى ولو انقلبت الأحداث أو المعطيات رأساً على عقب ما دامت مفاتيح تلك الانعطافات مرهونة في خزان الاقتصاد وكذلك الإعلام على حدّ سواء.
وفي مطلع العام 2017 قدم إلى دمشق صحفي أمريكي مغمور (وهذا أمر مقصود على الأرجح) للقاء الرئيس الأسد، وهو أيضاً كان يعمل بتوجيه من السلطات المركزية العليا نفسها التي سبق لها أن وجهت بربارة ووالترز في صيف العام 2011، ومن المؤكد أيضاً أن ما كان سيخلص إليه الصحفي الجديد محضراً مسبقاً بل وما يراد تعميمه من خلاصات على وسائل الإعلام كان جاهزاً أيضاً في خطوطه العريضة ذات التأثير المهم، وما خلص إليه هذا الأخير (وهو ما يمكن استشرافه لكونه يحظى باهتمام المنابر الإعلامية المرتبطة) كان يتلخص بتوصيفه الذي أطلقه على الرئيس الأسد فقد قال: إنه «ساحر» وسرعان ما التقطت تلك المنابر كلمة السرّ ومن ثم ذهبت في تعميمها إكمالاً للمهمة الموكلة إليها أساساً والتي تعتبر مبرّر وجودها وقوتها في آن معاً.
في الحادثتين – وما بينهما- يلحظ متغير كبير ومهم وإن كان غير مرئي بوضوح، ففي الأولى تظهر الشوكة الإعلامية للغرب وهي في ذروة عنفوانها واستعدادها لاقتحام القلعة السورية، أما في الثانية (الحادثة الثانية) فقد ظهرت تلك الشوكة نفسها مكسورة أو أنها خرجت لمهمة لم تكن كفؤاً لها، على حين أن ما بينهما (بين الحادثتين تموز 2011 – كانون الثاني 2017) كان يتمثل في المئات من الأحداث وتلك التي تراكمت كما لتحدث ذلك التغير النوعي الحاصل الآن أو بمعنى آخر لتحدث ذلك التحول الكبير من الحالة (1) إلى الحالة (2) وبعيداً عن الإنشاء الأدبي فإن هذا المتغير يعني أن هناك قراراً واضحاً بإنهاء أمر العمليات الذي جاءت على أساسه فريدريكا موغريني وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي والذي كان يقضي بإنهاء الحالة السورية القائمة والتأسيس لأخرى بديلة عنها تكون بمظلّة إقليمية وغربية، أما ما حلّ مكانه فقد كان أمر عمليات آخر مختلفاً جذرياً عن سابقه ومن الممكن الاستدلال عليه أو الولوج إلى دواخله عبر ما خلص إليه ذلك الصحفي الأمريكي الجديد… أقصد ما خلص إليه ذلك الوصّاف الماهر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن