سياحة تفاوضية و… مطر
| حسن م. يوسف
لماذا نحن محكومون بالهزيمة في حرب المصطلحات!
يحز في نفسي كثيراً عندما أسمع مصطلح «المعارضة المسلحة» من إحدى وسائل إعلامنا الوطنية! فهذا برأيي المتواضع يشكل هزيمة على جبهة الإعلام لا يقل خطورة عن أي خرق على الجبهات العسكرية! فهذا المصطلح هدفه إضفاء الشرعية على من يحملون السلاح في وجه الدولة، فالعالم برمته متفق على أن المعارضة هي دائماً ذات طبيعة سياسية. والحق أن أبسط وأوضح وأعمق تعريف قرأته للمعارضة هو أنها تعني: «المخالفة في الرأي». فالمعارضة تتنافس مع الحكومة وتسعى للحلول محلها، عبر الاقتراع الحر، من خلال تقديم تصور آخر مختلف لكيفية سياسة المجتمع وإدارة موارده. والمعارضة الطبيعية تسعى لذلك من خلال تسويق وجهة نظرها المختلفة التي تمكن المجتمع من رؤية ما يجري خلف تل السلطة، وعندما تتمكن المعارضة من الوصول إلى السلطة تتغير طبيعتها وينتقل دورها لقوى اجتماعية أخرى.
أحسب أن دور المعارضة الطبيعية في المجتمع يشبه دور الألم والصادَّات الحيوية في الجسم البشري، فالصادات الحيوية تمثل الجنود الذين يمنعون الجراثيم والفيروسات من الفتك بالجسد، وعندما يكون الهجوم شرساً وتعجز قوى الجسد الحيوية عن التصدي له، يطلب الجسم النجدة عن طريق الألم كي يعرض صاحب الجسد نفسه على الطبيب. والحق أن المجتمع الذي يعاني من ضعف المعارضة يسهل اختراقه مثل الجسد الذي يعاني من مرض نقص المناعة المكتسب الايدز!
أعترف لكم أنني عشت حياتي معارضاً للخطأ موالياً لسورية، إلا أنني، بعد كل هذا العمر، أجد نفسي غريباً عن كل هذه المعارضات، وعندما يستبد بي الألم على ما يجري لأبناء بلدي، أجد نفسي في مواجهة السؤال التالي: هل لدينا معارضة وطنية بالمعنى الصحيح للكلمة؟
باهتمام وشبه يأس أتابع أخبار (شباب) ما يسمى المعارضة، الذين يمارسون السياحة التفاوضية بين الرياض والقاهرة وموسكو وجنيف وأستانة! أنظر إلى الحال البائس الذي صرنا إليه، نحن المواطنين الذين بقينا في وطننا، وأسأل نفسي: هل يمثلني أحد من هؤلاء ولو بنسبة ضئيلة؟ والحق أقول لكم أنني غالباً ما أجد نفسي أمام (لا) أكبر من لاءات الخرطوم الثلاث!
تذكرون ولا شك يوم خرج بسام جعارة على إحدى الفضائيات مطلقاً صرخته: «لقد فقدنا الكرامة الوطنية»! لأن السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد خاطب جماعة «الائتلاف» في الدوحة قائلاً: «لا يوجد تسليح، ولا يوجد تدخل خارجي، فإما أن تتفقوا وإما أن تأكلوا خـ…» والمقصود بحرف الخاء ليس الخيار طبعاً. يومها شعرت ببصيص من أمل بأن يستيقظ من يسمون أنفسهم المعارضة، لكنني سرعان ما تخليت عن ذلك البصيص عندما علمت أن شيوخ «المعارضة» أنبوا جعارة على كريزا (الكرامة) التي أصابته والدليل على ذلك أنه التزم صمت القبور عندما وصف فورد جعارة وجماعته بأنهم «كالمرأة أثناء الحيض»! وقد وصل الأمر بأحد المعارضين الوطنيين في الداخل أن شبه معارضة الخارج بـطاسة حمّام السوق كل واحد يسكب ماء منها على نفسه ثم يرفسها بعيداً عنه. وأخيراً يجدونها في المجرور.
عندما أطلق ريدفورد تصريحه المهين ذاك، توقعت أن تشهد البلاد عودة كثيفة لمن يسمون أنفسهم المعارضة الوطنية، لأننا تربينا على مقولة أبو عمر في تمثيلية «عواء الذئب» التي يقول فيها الممثل القدير صلاح قصاص: «ألف حبل مشنقة ولا يقولوا أبو عمر خاين يا خديجة»
لكن من فقدوا الكرامة الوطنية، باعترافهم هم أنفسهم، يستمرون في قبض رواتبهم من الغريب الذي يخدمونه! وهم لا يزالون يجرؤون على الزعم أن بصاق الغريب عليهم ما هو إلا مطر!