اقتصاد

حجر في المستنقع المصرفي

| علي هاشم 

بقدر ما يشيعه استمزاج المصرف المركزي لضوابط الإقراض الجديدة من إشارات جدية، فهو يعيد تظهير العجز الذي فتك بمخيلتنا المصرفية للأعوام الثلاثة الماضية، وتحديداً مذ استفاقت بيروقراطيتنا الحكومية على أهمية الميزان التجاري، فكان أن أطلقت شعارات: دعم الإنتاج.. تشجيع التصدير، واستئناف الإقراض الذي تمظهر على شكل «التمويل التأجيري» و«التشغيلي» اللذين أثبتا عدم صلاحيتهما للاستهلاك البشري!
فخلال السنوات الثلاث الأخيرة التي ولجت فيها الحرب «سني يأسها»، يصعب الوقوف على أسباب جذرية حالت دون تدفق الإقراض الحصيف كما سمّاه حاكم المصرف المركزي مؤخرا، وما لم نأخذ بالحسبان تجذّر القدرات المتواضعة لإداراتنا المصرفية وعدم استعدادها للخروج من العلبة الحديدية التي أقفلت على مخيلتها، فلا شيء آخر يبرر إصرارها على تمجيد «وقف الإقراض» بسبب المخاوف التضخمية؟!
قبل جلوسه إلى كرسيه، أطلق حاكم المركزي جملته الاختزالية اللافتة (لا إنتاج.. مزيد من التضخم) وهي تعكس ذهابه إلى مبادرة استئناف الإقراض، وها قد رمى من نوافذ مؤسسته مبادرة لطيّ مرحلة البلادة المدرسية التي لفت إدارتنا المصرفية مؤخراً، لا بل ترك مسافة بينه وبين مخاوفها المصطنعة من طول «فترات التسديد» التي تحولت إلى أيقونة مزيفة لإلصاق إخفاق «القرض التشغيلي» برقبتها، فذهب إلى إعلان فترات سماح مشفوعة بتصاعدية صرف الدفعات بما يكفل جدية المستثمر ويؤسس لمصونية الأموال العامة.. إبداع صغير لربما قد يكفل تفكيك الجانب الفني من إعاقتنا المصرفية!
وعلى أهمية كل ذلك، فما زالت مقترحات الحاكم تستدعي النقد، فباختصار، يمكن التساؤل عن الأسباب التي ستجعل مصير القروض الجديدة مختلفة عن سلفها «التشغيلي» الذي لم تمسسه الأيدي؟!.. في الواقع، يمكن منذ الآن، عرض التحدي على الحاكم بأن الأغلبية الساحقة من التوظيفات التي ستتدفق من مبادرته الجديدة إنما ستتركز في قطاع الإسكان، ليس لأنه يستوعب سعر الفائدة الراهن عند «حيطان» 14%، بل لأنه خارج الضغوط التنافسية على عكس قروض الإنتاج التي لن تلبث أن تتسلل فائدتها المرتفعة إلى تنافسية الإنتاج، مواربة من بند «الاهتلاك» ومباشرة من باب كلفة تمويل رأس المال العامل، لتضيف بذلك ضغوطا للكلفة التي صعّدتها أخرى كالنقل والعقوبات.. إلخ، وعند ذاك، قد يجد الحاكم نفسه وسط معادلة متناقضة مع مضامين جملته الاختزالية آنفة الذكر، وخاصة بعدما يجد الإقراض السكني سبيله لإطلاق جرعة من التضخم المتوقع في المدى المنظور، في ظل الإحجام النسبي عن القروض الإنتاجية التي تميل إلى امتصاصه!
في «بيت القصيد»، يمكن القول إن توقعاتنا المصرفية ترتبط بمشيمة قلقة، ويجب على أحدهم التصدي لتحدي تحريك أسعار الفائدة هبوطا إذا ما أردنا تحقيق الأهداف الإنتاجية والتصديرية.
وما لم يتسن ذلك، فيجب الالتفاف عليها، مثلا عبر تصنيف الزبائن وفق (ممارساتهم) وتوزيعهم على: صنف (بريء حتى تثبت إدانته) يخصص للمنتجين الوطنيين المتعثرين الذين سيحظون بأسعار فائدة تفضيلية، وآخرين (مدانين حتى تثبت براءتهم) ومنهم أولئك المتعثرون قصدا، أو لربما – أيضاً مثلا- يمكن الذهاب إلى آلية تعويضية فاعلة تُستقى من لدن حوافز استخدام الطاقة المتجددة التي أدرجها المركزي في مقترحاته، أو من الإعفاء الحكومي للصناعات التصديرية.. ففي المحصلة، تكفلت الفوائد الحالية بالمحافظة على وتائر الإنتاج المنخفضة في المنشآت القائمة، وهي ستستمر بمنع إضافة سلال إنتاجية جديدة من المنشآت المتضررة، أو تلك التي لم تولد بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن