حالة حصار..!
| عصام داري
نبحث في دفاترنا العتيقة عن قصة عبرت في حياتنا كي نزرعها زهرة أمل في الأرض اليباب، أو لنسردها في زمن التوحش والكراهية والظلام فربما تشرق شمس بعد ليل طويل.
نسترجع تلك الأيام التي كانت كل العمر الجميل الذي لن يعود، تذكرنا أم كلثوم وهي تصدح: «ذكريات عبرت أفق خيالي» بتلك الذكريات القديمة، وبسهر الليالي، وجلسات سمر حلوة كربيع بلا نهاية.
نحتاج إلى تلك الذكريات كي لا نموت قهراً من هذه الأيام التي بلغناها وصارت كابوساً يؤرق ليالينا وكل أيامنا، فالحلم الجميل أحياناً هو البلسم والترياق لأمراض استوطنت الروح والنفس قبل الجسد.
لكننا في اللحظة التي نظن فيها أننا تهنا في صحارى الحياة، وأن الدروب مغلقة في وجوهنا، وأننا بلغنا خط النهاية، تتفتح وردة فواحة من بين الرمال والصخور لتعلن أن في العمر بقية، وفي القلب مكاناً لوافدة جديدة، تأتي كنسمة الصباح لتسكب عطرها على مسامات الروح المتعبة.
لا شك أننا في حالة حصار، نعيشها على مدار الساعة، يأخذنا الوقت من أنفسنا، نلاحق سراباً بعد سراب، ونقتفي أثر حب هارب من سجون شيخ القبيلة، وتجار الموت والنخاسين، وفي ذروة الضجيج والصخب وحالة هي أقرب إلى الضياع، تشرق إشارة من البعيد تشعل النار في القلب الذي كان رماداً وحطاماً، وتوقظ الروح العطشى منذ بدايات العمر، وتفتح بوابة للحب كانت موصدة بأمر من سلطان الزمن.
منذ سنوات طويلة وأنا أرسم كلماتي وحروفي وأبجديتي ﻷتقرب من بعض الناس فلربما أحظى بصديق جديد، أو حبيب يؤنس وحشتي ووحدتي ويحرر روحي قليلاً من سجن الجسد ونطلق معا عصافير مغردة وفراشات ملونة لنكوِّن لوحات من سحر وخيال تبهج العين والروح والنفس، وأعترف أنني منهك القوى، وأن قلبي صار مجرد مضخة متهالكة تضخ الدم إلى جسد أتعبته السنوات والرحلات والسفر في عوالم متعددة الألوان والأمزجة.
منذ سنوات وأنا أبحث عن شجيرات بنفسج وزنابق ورياحين ولا أجد إلا الجفاف واليباب والسراب، ومنذ سنوات أفتح دفاتري العتيقة كي أهدي لنفسي ابتسامة، ولقلبي جرعة حب كان ذات زمن مضى، ربما أستعيض عن تلك الذكريات بحب جديد أو متجدد، كي أخلق لحظة فرح، ولو افتراضية، وأشعر بالدفء في زمن الزمهرير، ولا أنكر أن الحب أحياناً يذيب الثلوج والجليد الذي تراكم على القلوب والأرواح.
إننا في حالة حصار، أقولها للمرة الألف، لكننا قادرون على استعادة الوعي، وكسر كل الحصارات التي نعيشها لو استطعنا أن نزرع قلوبنا في تربة الحب لتزهر وتعطي أريجها لعشاق الحياة، ورفاق دروب الحب.
هل من شريك يغامر ويسير معي في هذه الدروب؟!.