الخطوة الرابعة
| حسن م. يوسف
سبق أن اعترفت في أكثر من مناسبة أن السينما كانت هي حبي الأول بين الفنون، فعندما جلست ولداً في عتمة الصالة لأول مرة، أحسست أن ثمة ضوءاً آخر غير ذاك الذي يتراقص على الشاشة، ضوءاً خاصاً بي، يؤنس غوصي في مياه روحي الحميمة الغامضة، ضوءاً يشجع شهوتي على تلمس الحصى في مجرى حلمي!
لم أدرك عندما خرجت من صالة السينما لأول مرة أنني قد أصبت لتوي بحب لا شفاء منه، هو حب السينما! صحيح أن حبي للسينما قد كبر معي وعلمني كما تعلمت من الحياة، لكنه ما يزال في داخلي الشغف الأنضر والأكثر غموضاً وطزاجة، بل هو الأكثر اقتراناً باللهفة، ففي السينما لهفة تشبه لهفة الإمساك بحلم يذوب بسرعة هائلة في سديم النسيان!
عندما أجلس تحت ضوء جهاز العرض أتابع الصور على الشاشة، يستيقظ ضوء آخر في قلبي، يحول الصور إلى بشر أستنشق عطرهم وأشعر بخوفهم، وأبكي لشقائهم، وعندما أخرج من الصالة يكون معي فيلم آخر خاص بي غير الفيلم الذي رأيته على شاشة السينما، ومن هنا ينبثق هذا السحر المركّب الذي يضعني في السينما على شفير عالمين؛ عالم الواقع وعالم الحلم في آن معاً!
أشعر أن العتمة التي تخيم على صالة العرض تفرض عليَّ علاقة مركّبة مع المحيط والآخر، وتدفعني للقيام بتسلل مزدوج، إلى داخل الفيلم، وإلى داخل روحي! ففي العرض السينمائي يكون المرء مع الجميع وعلى انفراد في آن معاً. أكثر ما يثيرني في السينما هو طبيعة حضور الآخر! فالآخر في السينما قريب بعيد. قريب بحيث يمكننا أن نسمع أنفاسه، لكن سحر السينما يقصيه عنا بحيث لا يزعجنا ونحن نعرض أفلامنا الخاصة على شاشات أرواحنا!
لكل ما سبق، أعترف أن الأيام الستة التي أمضيتها في رحاب الدورة الرابعة من مهرجان خطوات السينمائي الدولي للأفلام القصيرة كانت أجمل الأيام التي عشتها منذ أشهر عديدة. فيّ رغبة ملحة لأنحني لكل واحدة /واحد من شابات/ وشباب مجلس الشباب السوري المتطوعين الذين غمرونا بلطفهم واهتمامهم وأنعشونا بابتساماتهم طوال المهرجان.
لا شك أن إنجازات هذه الدورة من المهرجان قادرة على أن تتكلم عن نفسها بفصاحة تامة، لذا سأتجاوزها للحديث عن بعض الهنات التي أثرت سلباً في هذه التظاهرة الثقافية البارزة.
انتقلت العروض من صالة المسرح القومي الصغيرة ذات الشاشة الكبيرة إلى قاعة المحاضرات في المركز الثقافي العربي الكبيرة ذات الشاشة الصغيرة. ونظراً لأن شروط العرض كانت بائسة ومسيئة أتوجه للأستاذ محمد الأحمد وزير الثقافة بأن يوعز لمن يلزم بإعادة تأهيل صالة كندي اللاذقية المغلقة منذ سنوات، فإذا كانت إمكانيات الوزارة لا تسمح بذلك أتمنى عليها أن تشارك القطاع الخاص في هذا المشروع الثقافي الحيوي جداً.
صحيح أن اللغة الإنجليزية معتمدة في جل مهرجانات الفيلم القصير لكنني أقترح في الدورات القادمة تقديم ترجمة ضوئية للأفلام فإن كانت الإمكانات لا تسمح بذلك أقترح تقديم ترجمة صوتية فورية خاصة للأفلام التي تعتمد على الحوار.
كانت تجربة تقديم عرضين في اليوم خلال هذا العام متعثرة، لذا أقترح التشدد في اختيار الأفلام والعودة لتجربة العرض الواحد. كما أتمنى إعادة الاعتبار لجلسات المناقشة التي تلي العروض.
في دورة هذا العام انكمشت البصمة البصرية للمهرجان، فقد استبدل البرومو الجذاب الذي كان يوضع في مستهل كل عرض بلوحة ثابتة تحمل اسم المهرجان.
رغم هذه الهنات الهينات، يبقى مهرجان خطوات السينمائي الدولي جديراً بالدعم والاحترام بوصفه الظاهرة الفنية الأهمّ في الساحل السوري. كل خطوة وأنتم بخير.