اقتصاد

درس من «مازوت»

| علي هاشم

خلاصة كئيبة أبرزتها سيرورة ملف استجرار المازوت للمنشآت الصناعية، ففي غمرة الاهتمام الحكومي بهذا الملف الحيوي، ما لبثت طريقة المعالجة أن أسفرت عن حلقة يصطف على محيطها بعض مسؤولينا ورجال أعمالنا، وكل منهم يتحيّن الفرصة لرمي «ورقة آصّ» مصلحة ضيقة يخفيها خلف ظهره.
مع سلسلة مناورات المازوت المتسرعة، تبدلّت الصورة النمطية لبعض مؤسساتنا، فتحولت شركة «محروقات» من «مشكلة» دأب البعض على تضخيمها إلى «حل وحيد» لتوريده، وكذا وزارة الاقتصاد التي أعادت تفكيك تصوراتنا عن بطئها، فوزيرها، ومذ كان حاكماً، لطالما أصرّ على التكتيكات البطيئة مجسداً «ركازة» القرار الحكومي، وبعدما أضحى وزيرا، لم يكفّ قلمه الأخضر عن مخامرة بطء التوقيع على إجازات استيراد مستلزمات الإنتاج!
في «درس المازوت»، أصبح كل ذلك من الماضي بعد أن أفصحت المشهدية عن «توثّب» غزلاني لافت في منح إجازاته؟!
في المحصلة، غرق من غرق في «شبر مازوت» الـ30 ألف طن التي تستحق «غينيس» عن فئة أسرع منح لإجازة استيراد والتعاقد عليها، كما عرف من عرف «خير» محروقات بعدما «عاشر غيرها» وعاد إليها مستجيرا من رمضاء غيرها، إلا أن آليتها المعلنة لتوريد المازوت الصناعي، لربما تعاني عَوَزاً في كفاءتها وترخي ظلالا على ضمان تدفقه.
من حيث المبدأ، لم يعد من العقلاني استمرارنا بتسقيف الإنتاج لفشلنا في تأمين مستلزماته، فكل سلعة متاحة -صناعية وزراعية- إنما تختزن أهميتها في تهدئة قلق سيولتنا النقدية، وهذا أمر ألمح إلى خطورته رئيس مجلس الوزراء من عين الفيجة، حين أعرب عن استعداده لنقل مياه ري المزروعات بالصهاريج مجانا للمزارعين منعا لخسارة أي من منتجاتهم، ذلك أن فقدان موسم زراعات محمية هنا أو دفعة من الدواجن هناك، إنما يحذف أقساطا متتالية من التغطية السلعية لنقدنا السائل في الأسواق، وهذا أخطر ما نواجهه راهنا.
كما أن تدفق الإنتاج بوتائر ثابتة يعد مدخلاً لضبط التكاليف وممراً لقيادة الأسعار وخفضها من خلال الوفرة ولو لأنواع سلعية قليلة، وصولاً إلى التحول التدريجي نحو التصدير الذي لا يمكن إبرام عقوده إلا باحتساب الموقف التنافسي والقدرة على الالتزام بالتوريد بعيداً من شبح توقف الإنتاج الطارئ لسبب أو آخر.
أهمية الإمداد النفطي المستقر، تفضي تلقائياً إلى مناقشة آلية «الدفع المسبق» التي اعتمدتها «محروقات»، فزيادة عما توحي به طريقتها من «وساطة» حيادية إزاء الاقتصاد الوطني، فهي معرضة للتفكك مع أول تبدل في أسواق النقد والنفط، إذ ما الذي ستفعله «محروقات» لدى ارتفاع أسعار النفط العالمي أو لدى تراجع محتمل في سعر الليرة، وهي المؤسسة الحكومية التي لا تتيح لها بيئتها المحاسبية التعامل المرن مع فوارق الأسعار، وخاصة بعدما تكون قبضت ثمنه سلفا ولم تدفعه بعد؟ من المؤكد أن هذا اللبس سيجر معه خللاً بانتظام الإمدادات يعود بنا على بدء المشكلة!
كما يتوجب بمحروقات دراسة إمكانية ضم كل من لم نعد نتذكّر المرة الأخيرة التي لم يعلنوا فيها شراء المازوت من السوق السوداء لاستمرار عملهم، وعليها العمل على تأمين احتياطات خاصة منفصلة لضمان تدفقه، إذ ذاك، قد نطوي قسما وازنا من مشاكلنا الاقتصادية الرئيسة راهنا، لأن توقف منتج ما ولو لأيام، لهو أسوأ ما يمكن أن نحصده، تبعا لما يكرسه من هدر وتشتيت في المادة الأولية والقدرة الشرائية وقوة العمل والتشغيل والإنتاج ومقاومة التضخم وصون ما بقي من احتياطيات نقدية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن