قضايا وآراء

مفتاح هزيمة «داعش» في دمشق وبغداد

باسمة حامد : 

أثارت الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس وتونس والكويت قلق العالم وتساؤلاته حيال الخطوات العملية المطلوبة لمواجهة «داعش» كأخطر التحديات الراهنة.
ففي يوم واحد نجح التنظيم الإرهابي بشن هجمات دموية تتوزع على قارات ثلاث (أوروبا وإفريقيا وآسيا) مؤكداً حضوره ورسالته «العالمية العابرة للحدود»، لكن ضربته ثلاثية الأبعاد قد لا تمر على «المجتمع الدولي» هذه المرة مرور الكرام.
وعلى الرغم من أن واشنطن ومعها العديد من الأنظمة الإقليمية والغربية ظلت لوقت طويل تدور حول نفسها حيال ظاهرة «الجهاديين» المستشرية مكتفية بالعد والإحصاء دون أن تقدم حلولاً جذرية وجدية للقضاء عليها، إلا أنها بعد التفجير الانتحاري بمسجد الإمام الصادق بالكويت، ومشهد فندق سوسة وهروب السياح الأجانب من تونس باتت أكثر اقتناعاً بضرورة إنهاء التوظيف السياسي لآفة خطرة خرجت عن سيطرة من أوجدها.
وربما تدخل المواجهة مع الإرهاب مرحلة عملية جديدة تتخطى بيانات الشجب والتنديد والاستنكار في ظل واقع عالمي جديد تحوّل فيه الفكر التكفيري إلى قوة مدمرة تستقطب المزيد من المؤيدين لها حول العالم، «فالتعاطف» فعلاً «لا يكفي لدرء مخاطر الإرهاب» كما قال الرئيس الفرنسي في تعليقه على هجمة مصنع الغاز.
وفي هذا السياق ليس مستبعداً بروز تطورات ومتغيرات من شأنها ترتيب المشهد وفق التالي:
1- السعي الجاد للحد من تأثيرات الإيديولوجية المتطرفة وخطاب الكراهية والتحريض الطائفي والمذهبي، وضمن هذه المساعي كان لافتاً إقدام السلطات التونسية على إغلاق ثمانين مسجداً خارج سلطة الدولة، وإقفال السلطات الكويتية لمحطة «الوصال» المعروفة بتوجهاتها الطائفية.
2- انتقال تحالف واشنطن من المسار الاستعراضي في حربه المعلنة على «داعش» إلى مسار أكثر فاعلية كونه خالف التعليمات الأميركية بالبقاء بين سورية والعراق، وظهر في أماكن غير متوقعة كالكويت أحد الدول الغنية بالنفط التي تشكل قاعدة مصالح مهمة للولايات المتحدة في الخليج العربي. (التنظيم كان يخطط للإستيلاء على منابع النفط فيها وهدم نظام الحكم وجعلها قاعدة انطلاق لعملياته باتجاه دول الخليج الأخرى).
3- نشوء تحالفات جديدة بالمنطقة ستستلزم بالضرورة التنسيق المدروس والحقيقي مع سورية والعراق الدولتين اللتين تشكلان مركز الثقل النوعي «لخلافة البغدادي»، وأيضاً تمتلكان إرادة قتال حقيقية وتجربة استثنائية في مجال محاربة الإرهاب.
4- العديد من الأنظمة المتورطة بدعم الإرهاب تعيد النظر حالياً بسياساتها الخارجية، وتجدر الإشارة هنا إلى مؤشرين مهمّين الأول: رفض الجيش التركي خطط الحكومة بالتدخل العسكري في سورية بسبب غموض ردود الفعل لدى الرئيس الأسد وحلفائه، والثاني: خضوع السعودية للموقف الروسي الداعم للرئيس الأسد، فمحمد بن سلمان -على ذمة المغرد السعودي الشهير مجتهد- أخبر الرئيس بوتين خلال زيارته لموسكو أن بلاده: «لا تريد إسقاط الرئيس السوري لأنه وسيلة لمنع تمكن ما وصفها بالجماعات الجهادية».
والمهم أن كل ما سبق يؤشر إلى أن المستقبل القريب سيشهد تراجعاً في حدة المواجهة مع إيران النووية من جهة، وانحداراً لخطط العدوان على سورية وإتاحة الفرصة للحل السياسي فيها من جهة أخرى، فالتنظيمات المتشددة بما عندها من إمكانات ضخمة توسع نطاق هجماتها وتزحف إلى ساحات جديدة وتواصل عمليات التجنيد وتهريب المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا وإثارة النعرات الطائفية حتى داخل الدول الداعمة لها، وصداع «داعش» سيؤلم الجميع وسيدفعهم لعلاجه بالوصفة الروسية: «الصلاة من أجل بقاء الرئيس الأسد» كي لا يكونوا الهدف التالي للتنظيم المتطرف الذي لا يجيد إلا أمراً واحداً وهو القتل والتفنن به.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن