قضايا وآراء

مواجهة الهدر… في ظل الأزمات.. مسؤولية وطنية

د. قحطان السيوفي : 

 

وردني بالبريد الإلكتروني سؤال (إنني مستاء من الهدر الذي يمارس من البعض… كيف يمكن معالجة الهدر الاقتصادي في ظل الأزمات التي أنتجتها الحرب) رداً على السائل نوضح؛ إنني أشارك السائل شعوره بالاستياء من ظاهرة الهدر بكل أشكالها… يقول (توماس أديسون) العالم الأميركي مخترع المصباح الكهربائي (الاستياء، هو الضرورة الأولى للتقدم). إن الهدر الاقتصادي الذي يعنيه السائل تتعدد أشكاله، وتتنوع مصادره، وبخاصة أثناء الأزمات، وانعكاسات نتائجه السلبية على المجتمع؛ أفراده، ومؤسساته، وناتجه الوطني… علماً بأن الظروف العامة للأزمة قد أدت لتآكل دخول المواطنين وجعلت الأغلبية الساحقة من أفراد المجتمع في أوضاع معيشية غاية في الصعوبة… الهدر الاقتصادي في الظروف الاقتصادية التي تنتجها أزمات الحرب، يمكن تحديد مصادره بجهتين اثنتين: الأول مصدره أفراد المجتمع، والثاني مصدره الجهات العامة ذات الطابع التنفيذي، والرقابي. مثلاً الهدر في استهلاك الماء، والكهرباء، والاتصالات، والغذاء، والدواء… وأيضاً في تصميم وتنفيذ المنشآت الفردية وتأثيثها مثلاً… يتحمل الأفراد مسؤولية ذلك النوع من الهدر الاقتصادي… بالمقابل تتحمل الجهات العامة الحكومية التنفيذية منها والرقابية؛ مسؤولية كبيرة في ممارسات الهدر الاقتصادي. مثلاً وزارة التجارة الداخلية، وزارة الصناعة، ووزارات الدولة الأخرى… وهيئة المواصفات والمقاييس، هيئة مكافحة الفساد، هيئة حماية المستهلك… إضافة للجهات الرقابية، كل منها حسب اختصاصه، تتحمل مسؤولية الهدر الاقتصادي الذي يدفع ثمنه المواطنون، والاقتصاد الوطني كله.
على صعيد المواطن الفرد ؛ فإن وعي المواطن له دور بمدى تحمله المسؤولية بدرجة كبيرة في مسألة تزايد حدة الهدر، أو تناقصه… من الناحية العملية، وخاصة في ظروف الأزمة، لا يشعر الفرد بخطورة الهدر إلا عندما يمس دخله (أو جيبه) الخاص المتآكل أصلاً… مثلاً استهلاك الماء والكهرباء، أو الإسراف في الطعام والشراب… الواقع أن الثقافة غير الاقتصادية التي تطغى على مجتمعنا في الأحوال العادية تجعل الحرص على المال الخاص يغيب تأثيره بنسب متفاوتة حسب الأفراد وثقافاتهم العامة؛ بمعنى آخر تلتقي ظاهرة غياب الثقافة الاقتصادية مع عدم الإحساس بالمسؤولية عن الخدمات ذات الصفة العامة كالماء والكهرباء… التي تتحمل أعباءها الخزينة العامة للدولة من جراء مبالغ الدعم الكبيرة المقدمة لمثل هذه الخدمات العامة… ما يؤدي بشكل أو بآخر، إلى تضخيم مسألة الهدر الاقتصادي الفردي.. على الصعيد العام وزارة التجارة الداخلية، على سبيل المثال لا الحصر، أصبح معروفاً لدى الجميع أنها، عادة، لا تقوم بدورها المطلوب في مواجهة الأزمات التي سببتها الحرب… بعدم ممارستها الرقابة الحازمة على الأسواق من حيث الأسعار، وجودة المواد المعروضة في الأسواق ؛ حيث توجد سلع رديئة، ومغشوشة في كل القطاعات سواء مواد غذائية، قطع تبديل، أدوات كهربائية، أو مواد بناء… ومثل هذا التقصير، بل التواطؤ أحياناً في ممارسة المهام التي حددها القانون يؤدي إلى نتائج سلبية على أفراد المجتمع، وعلى الاقتصاد الوطني كله؛ حيث ينفق المستهلكون أموالهم المحدودة على الرديء من السلع وحتى غير الصالحة، أحياناً، للاستهلاك البشري… وانعكاسات ذلك على صحة الإنسان، وسكنه، ومحيطه بشكل عام… سببها التراخي، وضعف الرقابة على المواد المعروضة في الأسواق في ظل الغياب الفاعل لهيئات المواصفات والمقاييس، وحماية المستهلك وغيرها… مع ما يحدثه ذلك من نتائج كارثية على المواطن وعلى الاقتصاد الكلي.
إن مشكلة الهدر الاقتصادي الناجم عن الأفراد أو المؤسسات التنفيذية وحتى الرقابية، قد تكون ظاهرة مقبولة مرافقة للنشاط الاقتصادي بل قد تكون مسألة عادية من خصائص المجتمعات البشرية، إذا بقيت في حدود متدنية، يمكن معالجتها… والأخطر هو تفاقمها في ظروف الأزمة… مع وجود اقتصاد ظل خفي ناشط… حيث يصعب حصرها، وتحديدها، وضبطها من أجل تحجيمها خاصة في غياب إحصائيات مقبولة يصعب الحصول عليها… في ظروف الأزمات التي أنتجتها الحرب.
هذا النوع من الهدر الكارثي للمال الخاص والعام؛ يجب التصدي له بكل جدية وحزم بالإمكانات المتوافرة في ظروف الأزمات التي أنتجتها الحرب المطلوب العمل عليها، لضبط كل مسالك الهدر، وأدواته للحد منها ومنع تفاقمها؛ من خلال وعي المواطنين وإحساسهم العالي بالمسؤولية الوطنية، والتعاون، وتضافر الجهود الجماعية… وممارسة الجهات العامة المعنية؛ تنفيذية ورقابية لدورها المحدد في القوانين والأنظمة، إضافة لمحاسبة المقصرين، والمرتكبين، والفاسدين… بهدف المحافظة على أموال الناس والأموال العامة. وتبقى مسألة مكافحة الهدر الاقتصادي، خاصة في ظل الأزمات التي أنتجتها الحرب ، مسؤولية وطنية بامتياز.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن