ثقافة وفن

عدوى السعادة

| هبة الله الغلاييني

هل يمكن أن يصدق أحدكم أن سبب حالة السعادة والفرح التي يشعر بها أحياناً هو شخص لا يعرفه؟!
طبعاً هو شيء صعب التصديق. لكن دعوني أطالعكم بهذا البحث المدهش الذي قام به أساتذة في كلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية وهو أنه من الممكن للشخص السعيد أن ينقل عدوى السعادة إلى شخص آخر يقطن على بعد ميل منه بنسبة 25% ونسبة عدوى السعادة في حالة الزوجة هي 8%، أما الإخوة والأخوات الذين يعيشون على مسافة ميل من الشخص السعيد فنسبة انتقال السعادة إليهم تصل إلى 14% وقد جاءت أعلى نسبة لانتقال السعادة من شخص إلى آخر في حالة الجيران، حيث إن جار الشخص السعيد يسعد بنسبة ترتفع إلى 34%: شيء مدهش… أليس كذلك؟! وهذا يطبق على المثل القائل: «جاور السعيد تسعد».
ربما تقل الدهشة بعض الشيء لو تذكرنا عدد المرات التي شعرنا فيها بحالة بهجة وانشراح لمجرد أننا قابلنا صديقاً، أو صديقة حلوة المعشر خفيفة الظل. ففي حياة كل منا نموذج أو عدة نماذج لأشخاص نحب صحبتهم، ونحب أن يبدأ صباحنا برؤيتهم، نتفاءل بهم، ونستبشر بلقائهم، ولو فكرنا في الأسباب لتوصلنا بسهولة إلى عدد منها، فهذه صديقة طيبة القلب والحديث معها يريحنا من الهموم، وهذه خالة سريعة البديهة لا تنضب نكاتها، وهذه جارة ذكية لمّاحة لا تفوتها تفصيلة صغيرة، ويبقى القاسم المشترك بين هؤلاء الأشخاص الذين ترغب في رؤيتهم أنهم أشخاص ناجحون وسعداء بشكل أو بآخر، متصالحون مع أنفسهم وليسوا في حالة خصام مع الحياة. قد يكون السبب الحقيقي الذي يكمن وراء كل الأسباب التي فكرنا بها هو أننا في صحبتهم نشعر بالسعادة، لكن هل بالفعل تتمكن حالة السعادة من الانتقال بين شخص وآخر بفاصل جغرافي يصل إلى مسافة ميل؟ هذا ما يؤكده أساتذة هارفارد، وعلينا أن نتأكد منه، وفي البحث نفسه، يطمئننا الباحثون بأن عدوى الحزن لا تنتقل بهذه الطريقة، وعلى الرغم من أنني لست في موقع جدل مع علماء من الوزن الثقيل مثلهم، فإني أختلف معهم بالتأكيد.
إن للحزن أيضاً وللمشاعر السليمة قدرة على الانتقال والعدوى بين البشر، وصحيح أن تلك العدوى تنتقل أكثر إلى ذوي المناعة النفسية الضعيفة، إلا أنها قادرة برأيي على الوصول حتى إلى أكثر البشر سعادة وابتهاجاً، وعلى الرغم من علمي بأن مناعتي النفسية لا بأس بها، غير أن بعض الناس ينجحون في استنزافي، حتى منذ الصباح الباكر، فعندما يستيقظ زوجي منذ الصباح ساخطاً متشائماً، لا يمكن أن أنسى طوال النهار، حتى في أثناء عملي، منظره المكشّر، وأسباب هذا التكشير اللامبرر أحياناً.. وحين تأتي صديقتي المطلقة الشكاءة والبكاءة إلى غرفتي، ولا تتركني إلا بعد أن تفرغ جعبتها الممتلئة بالمرارة والغضب فوق رأسي، أحس بعد خروجها وقد شعرت بثقل في جسدي ورغبة في الانفجار والسخط على جميع رجال العالم، بعد أن بعثرت طاقتي الإيجابية أو التي يمكن قد سلبتني إياها، لا أستطيع أن أؤكد بأي شكل أنها قد تؤثر فيّ ولو كانت على بعد ميل، لكني أعرف تأثيرها جيداً وهي على بعد خطوة مني.
إن الفكرة مثيرة للاهتمام، كما أنها مثيرة للجدل، وفي كل حال راقبوا السعداء حولكم، ولاحظوا تأثيرهم فيكم، وحاولوا التقرب منهم، ولو اضطررتم إلى تغيير سكنكم وتفضيل جيرتهم… ما رأيكم؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن