ثقافة وفن

الدراما السورية تعيش غربة عن واقعنا.. ونجوم الفيديو كليب يتسربون إلى أروقتها

 بثينة البلخي : 

يبدو أن بعض القائمين على الدراما السورية تنازلوا عن فكرة دورها في تقديم صورة عن الواقع، لتتحول من محاكاة إلى تجميل هو في شكله الحقيقي تشويه، بسبب ما يعتري الصورة التي تقدمها الدراما اليوم من عيوب لا مبرر لها سوى التسويق والإنتاج، وكأن الفن لم يعد قادرا على التمسك برسالته في تصوير حياتنا وهمومنا ومشكلاتنا والإضاءة على حلول لها، لينتقل إلى المكان الذي يجعله يبدو فيه أحد أدوات التجارة ليس إلا.
إقحام الممثلين الذين لا ينتمون لسياق أو بيئة العمل بات من أكثر العيوب وضوحا في الأعمال السورية -بغض النظر عن جهة إنتاجها فالمقصود هنا كتابة النص وإخراجه- ففي عمل العراب تأليف حازم سليمان، إخراج المثنى صبح، ورغم أن الإنتاج لشركة سورية هنا، كان مستغربا وجود ابن يتحدث باللهجة اللبنانية ضمن عائلة سورية، ومع أن الكاتب حاول من خلال حوار بين الأم وابنها تندب فيه حظها على غيابه الطويل عنها في بيروت، لكن ذلك لم يكن ليبرر هذا الابن الغريب عن عائلة سورية بالكامل، ناهيك عن أن أداء عاصي الحلاني لم يرق إلى مستوى ما قدمته بقية أفراد العائلة وهم من خيرة الممثلين السوريين، والعراب ليس إلا مثالا على طائفة من الأعمال التي تتخذ هذا الشكل مديرة ظهرها للاحتراف في العمل الفني.

نجاحاتها كبيرة لكنها عن همومنا بعيدة
يعتبر منصور ديب مدير البرامج في قناة سورية دراما أن هذا الإقحام مرده إلى كون «المسلسلات السورية ذات الإنتاج الكبير هي من إنتاجات مشتركة حتى تحولت إلى ظاهرة مقلقة لدى الكثير من متابعي الدراما السورية والذين يرون أنها تؤثر بشكل سلبي على الدراما الوطنية ذات الخصوصية المحلية».
ويلفت ديب إلى التأثير السلبي «لانشغال عدد كبير من المبدعين السوريين من مخرجين وممثلين سوريين كبار بهذا الإنتاج وإقحام الممثلين غير السوريين في نسيج العمل من دون الالتفات إلى شروط واقعية»، معتبرا أن هذه الأعمال رغم هذا العيب «تحقق نجاحات كبيرة بصيغها الجديدة البعيدة عن الهم السوري الحقيقي الذي كان هاجس الفنان السوري بالأصل».

ذوق الجمهور أم ذوق الحرب؟
السؤال إذا، أهو ذوق الجمهور من بات يفرض هذا النوع من الأعمال، أم إن علينا الإقرار بأن الحرب فرضت واقعها حتى على هذا الذوق؟! بالنسبة لديب فإنه لا يمكن «لوم أحد على هذا السلوك الذي رافق الأزمة فنحن في حالة حرب ومن الطبيعي أن يبحث الفنان السوري عن عمل بشروط جديدة لا يستطيع إلا التعامل معها، لكن المقلق أن يتحول الفنان السوري إلى مجرد منفذ لشروط هذه الشركات من دون الالتفات إلى وظيفة الفن الأساسية التي تعودنا عليها وهي الغوص في مشاكلنا الاجتماعية والفكرية والسياسية لتكون لنا دليلا لذواتنا وطريقا للمستقبل».
غربة الدراما

ولا تكمن المشكلة في انصياع المبدع السوري لرغبات شركات الإنتاج فقط، بل إننا أمام مرحلة تحضيرية لفقدان الشعب السوري واحدا من أهم مقومات نموذجه الحضاري الذي كان كفيلا بإيصال صورة حقيقية وجميلة عنه إلى العالم، وهو أمر يؤكد عليه ديب بالقول إن: «هذه المسلسلات تحقق أعلى المتابعات من الجمهور العربي ما سيدفع شركات الإنتاج لتقدم غيرها في المستقبل المنظور، وهو ما سيخلق غربة أكبر عن الدراما السورية كما عرفناها وأحببناها في سورية».

نجوم الفيديو كليب يتسربون إلى الدراما
سامر إسماعيل ناقد وكاتب فني، يؤيد منصور ديب في كونه لا غرابة في مشاركة الممثل اللبناني أدوار البطولة مع شقيقه السوري؛ وهي تجربة كانت وما زالت حيوية في إطار الانفتاح الفني أكثر فأكثر على المناخ الصحي بين فناني البلدين، لكنه يرى ما يحدث اليوم في هذا السياق «تسرباً لنجوم الفيديو كليب إلى أعمال الدراما، وحسب رغبة الشركات المنتجة التي حوّلت المخرجين إلى مجرد «صنايعية» لديها؛ وأصبحت سطوة ما يسمى « النجم» فوق كل سطوة، رغبة في استقطاب المعلنين على شاشة هذه المحطة الفضائية أو تلك؛ ومن دون أي مسوغ درامي أو فني، وهذا ما نشاهده اليوم عملياًفي أعمال ما يسمى « البان آراب» التي لم تستطع حتى الآن أن توّحد فناني العالم العربي إلا في مسلسلات الخيانة».
ويؤكد إسماعيل أن هذه الأعمال «هي فقط لضمان تسويق المسلسل التلفزيوني، بعيداً عن رغبة أي شركة أو فضائية عربية أن تحقق عملاً قومياً؛ بل القصة وما فيها هي عبارة عن معادلة الخيانة العربية المشتركة، فما معنى أن يظهر ممثل سوري دائماً في أدوار الزوج المخدوع من زوجته وعشيقها اللبنانيين؟!»
لا وصفة للفن

وهنا يأتي السؤال، بفرض أن هذا النمط جاء كأحد تداعيات الأزمة في سورية، من يتحمل مسؤولية العيب الدرامي الواضح فيه، وما الآليات التي تجعله مهذبا غير فج، وهل السوريون بحاجة فعلا للبنانيين أو سواهم لتنتشر دراماهم، أم العكس؟
يعتبر إسماعيل «أن لا وصفة للفن، وليست المشكلة في وجود ممثل لبناني أو ممثلة مصرية، على العكس يمكن الاستفادة اليوم من هذا الوله العربي المشترك؛ لكن على شرط تسويغه فنياً؛ فمثلاً عندما لعب رفيق علي أحمد دور «كليب» في مسلسل «الزير سالم» كان ذلك خياراً ذكياً من جهة الحضور الجميل الذي حققه « رفيق أحمد» كنجم من نجوم المسرح في لبنان؛ وبأدائه النوعي للشخصية التي أسندها له المخرج حاتم علي، لكن المشكلة اليوم في النص الذي ليس لديه أي تبريرات لوجود ممثل يتكلم اللهجة اللبنانية لعائلة تتكلم اللهجة السورية. هذا مناف لأبسط الشروط الفنية، وليس مبرراً على الإطلاق إلا بتفويض من الشركة المنتجة التي لا يهمها سوى البيع، فيما يعرض مخرجو هذه الأعمال رقابهم لسيف المال على حساب أي هاجس فني أو إبداعي».

عصر دراما الفيديو كليب
«عصر دراما الفيديو كليب» بهذه الكلمات يختصر إسماعيل ما نشاهده اليوم من دراما تضج بالألوان اللامتناسقة، «فالصورة التي نشاهدها اليوم هي أشبه بتلك التي يشاهدها جمهور عربي عريض على قنوات الفيديو كليب العربي، فالحس « الكليباتي» واضح اليوم في الدراما؛ وفتاة بانيو الحليب ورجل الديودوران يخرجان من الأغنية المشوهة لتجسيد أدوار في دراما لا صلة لها بالواقع العربي، ولا بهاجس المواطن العربي المتروك على نصال الجوع والتشرد والفقر والمرض والجهل، فتراه صاغراً لصورة درامية صاغها له الأغنياء، أما الفقراء، أولئك المنفيون في جنة العشوائيات وأحزمة الفقر والعوز فهم حطام الطبقات الوسطى في مجتمعات عربية تسير إلى المحرقة بكل ثقة بالنفس من غدها المشرق جداً.!!».
حتى وإن كان مطلوبا من العمل الفني أن يحقق عائدا ماديا، فإنه من غير المبرر أن يتنازل أرباب الدراما السورية من كتاب وممثلين ومخرجين عن عرش الاحتراف الذي تربعوه زمنا، وأن يكونوا أحد أدوات تغريب الجمهور عن واقعه، فكيف من الممكن أن يقنعوه بابن يتحدث اللبنانية ضمن عائلة سورية؟! أو بموظف سوري في بنك لبناني؟! أو بزوج سوري لفتاة لبنانية وأب مصري وأم لبنانية؟!! فضلا عن عشرات المظاهر الغريبة عليه من غنى فاحش، وخيانات زوجية تتخذ أشكالا فظة، وسطوة للعنف لم يألفها حتى مع السنة الخامسة للحرب على بلده، وإذا كان هؤلاء اعتمدوا مبدأ «المهم إيصال الفكرة»، أما التطبيق فبإمكان الجمهور تولي أمره، فليتوقف الكتاب عن إنجاز نصوص درامية والممثلون والمخرجون عن أدائها، وليخبرونا أفكارهم لنتخيلها نحن!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن