قضايا وآراء

شرق دمشق.. معارك خارج السياق

| مازن بلال 

يصعب ربط معارك شرق العاصمة بأي مسار سياسي أو عسكري، فهي تحركات مستقلة عن التنافس الإقليمي للتأثير في جنيف أو الأستانة، وفي الوقت نفسه تحمل تأكيداً لـ«مركزية جبهة النصرة» في المسألة العسكرية، فـ«تنظيم القاعدة في بلاد الشام» المستبعد من التحرك السياسي يتحرك من دون أي خوف من التحالفات القادمة، وهو ينظر إلى تراجعات «داعش» كفرصة لتأكيد حضوره القوي أمام جميع التشكيلات الأخرى.
عملياً فإن معركة «النصرة» عبثية بامتياز، وهي على مستوى العاصمة السورية لم تكن قادرة على تحقيق أي تبدل في الميزان السياسي والعسكري رغم الحملة الإعلامية المرافقة لها، ولكنها في الوقت ذاته كسرت البرود في النظر إلى المسألة السورية وتصنيفها في إطار مسارين: الأول سياسي لا تشارك به النصرة ولكنها تشكل العنصر الذي يستند إليه فريق كامل في التفاوض، فهي القوة الوحيدة التي تقدم تبريرات عمليات التفاوض لأنها تفرض ضرورة محاربة الإرهاب، ومن جانب آخر تشكل «الظل» الذي يعتمد عليه وفد «الهيئة العليا للتفاوض» لتحديد شروط العملية السياسية، فحرب النصرة التي تبدو خارج «السياق» الذي تسير به العملية السياسية تلتقي مع التفاوض في ثلاثة مواقع أساسية:
– الأول في تأكيد التصعيد العسكري الموجود على الجغرافية السورية، وهو ما يجعل الأطراف الدولية متمسكة بالبنود الأولى لعملية التسوية رغم تغير الكثير من المعطيات، فالهجوم الأخير في شرق العاصمة رغم عدم قدرته على إحداث أي خروقات إلا أنه يدفع «الأطراف الراعية» إلى النظر بشكل مباشر باتجاه «التصعيد العسكري» بالدرجة الأولى.
– الموقع الثاني يرتبط بعامل القوة في التفاوض، فرغم أن النصرة أعلنت أكثر من مرة رفضها للعملية السياسية، لكنها كتشكيل تحوي طيفاً من الفصائل وقنوات الارتباط مع أطراف إقليمية تريد ترسيخ حضورها القوي داخل العملية التفاوضية، فالخريطة العسكرية هنا ليست مهمة لأن العامل الأساسي هو بقاء الذراع العسكرية على الأرض لـ«النصرة» ومن يتحالف معها.
– النقطة الأخيرة مرتبطة بالإرهاب تحديدا، فرغم أن النصرة مصنفة تنظيماً إرهابياً، لكنها لم تفقد بعد مبررات وجودها الإقليمي وحتى الدولي، فهناك هامش تستخدمه دون اعتراض أو عزل دولي، وهي تستخدم تحالفها داخل «جبهة فتح الشام» لتتحرك ضمن المناطق غير المعرفة للإرهاب، وتؤثر بشكل قوي في مساحة التفاوض المتاحة في جنيف.
المعركة في شرق العاصمة مهما بدت عبثية لكنها تريد تقديم مؤشرات؛ تبدأ بأن الدولة «غير قادرة» على ضبط إيقاع المعارك في العاصمة، وصولا إلى تحفيز المفاوضين على الدخول بشروط مسبقة إلى العملية السياسية، فالمسألة هنا لا ترتبط بعملية إضاعة الوقت بل أيضاً بفرض مسارات جانبية أكثر تعقيدا من تفاصيل العملية السياسية.
سياق المعارك العسكرية سيؤثر بشكل أو بآخر في تفكير المتفاوضين، وسيؤكد من جانب آخر أن لقاءات الأستانة هي مشروع غير منجز ولا يستطيع أن يوفر بيئة لاستمرار العملية السياسية، فـ«النصرة» تخط مساراً خارج «السياق» لكنه في الوقت نفسه يستنفر الجميع ويدفعهم إلى الحذر تجاه أي شرط مستجد لمسار جنيف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن