قضايا وآراء

ثالث الاستحالات

| عبد المنعم علي عيسى 

ها هي القراءة القديمة الحافلة بالأمم والحكم تعلن -وبدرجات متفاوتة- كما يبدو رفضها للرياح الآتية مما وراء الأطلسي، وتعلي الصوت باتجاه دحر العولمة المدمرة انتصاراً للذات الجماعية لكل شعب من شعوبها فالخصوصية هنا تنبع من مرحلة التطور التي يمر بها كل شعب ومن الثقافة وما خلفته صراعات القرون الوسطى.
لم يكن منتظراً أن تأتي الانتخابات الهولندية الأخيرة بأفضل مما جاءت به بل كان منتظراً منها حالة تردٍّ أكبر بمعنى آخر فوز اليمين في انتخابات 15/3 وإن كان هذا الأخير قد احتل المركز الثاني بعد حزب الحرية، فالحدث البريطاني الآخذ طريقه نحو إكمال مساره هو ماضٍ في الآن ذاته في استمالة الآخرين للحاق بنزوعه الجديد الذي تبلور واقعاً في عام 2016 والذي كان نذيراً بما يمكن أن تشهده أوروبا لاحقاً فبريطانيا ليست تلك الدولة الهامشية أو الطرفية بل هي دولة في القلب (والعقل) الأوروبي أو هي رأس الهرم في الجبل الأوروبي الذي يفرض عادة المناخات التي ستسود -أو يجب أن تسود- في سفوحه، فما بالك إذا ما كان رأس الهرم نفسه مهدداً بشرخ يفصل رأسه عن عنقه، فالاستفتاء الذي أجرته الحكومة البريطانية عام 2015 على بقاء اسكتلندا -أو انفصالها- في الاتحاد البريطاني بدا وكأنه يقف على أرضية هشة فها هو وزير الشؤون الاسكتلندية في الحكومة البريطانية يقول في 15/3/2017: «إن الاستفتاء الذي أجري بشأن انفصال اسكتلندا عن بريطانيا ليس قانوناً» والمكتوب كما يقال يقرأ من عنوانه حتى إذا ما انفضّ هذا الأخير (العنوان) كان لزاماً على ويلز (المكون الثالث في الاتحاد البريطاني) أن تعلن عن رفع أشرعتها إيذاناً بتلمس خطا المركب الاسكتلندي.
صعود اليمين الهولندي هو الآخر مؤشر جديد ينبئ بتحولات مقبلة والدور القادم هو على ألمانيا التي ستجري انتخاباتها منتصف نيسان المقبل والتي إذا ما فاز اليمين فيها وجب على العالم برمته أن يحبس أنفاسه، فإذا ما كان السويسريون قد استطاعوا عبر دعم غربي كبير إسقاط حكم حزب الحرية (النازي) الذي فاز في انتخابات عام 2009 فأنى لذاك الغرب أن يسقط ذلك اليمين إذا ما أضحى هو القاعدة وليس الاستثناء.
أياً تكن التحولات الجارية في القارة العجوز فالمؤكد أن عصر التكتلات الاقتصادية الكبرى قد انتهى وهو ما يشكل الضربة المؤلمة الثانية التي تصيب الاقتصاد الرأسمالي في خلال عقد واحد من الزمن بعد أزمة البنوك في آب من عام 2008.
في خلفية الصورة يقرأ ما تشهده القارة الأوربية على أنه ناجم عن ذلك الخواء الروحي الباحث عن مزيد من الخصوصية فما قامت به العولمة لم يكن أكثر من اقتياد لشعوب القارة بعيداً عن مرتكزاتها الأهم التي تقوم عليها مثل الثقافة وخصوصية التجربة و«الجار الطيب» الذي يبدو وكأنه «الخل الوفي» الذي يشكل ثالث استحالات المثل الشعبي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن