قضايا وآراء

وعد بلفور المشؤوم

| نبيل الملاح 

بعد أن زودني الباحث والمفكر الدكتور جورج جبور بالمذكرة التي أعدها حول فلسطين لمناسبة الذكرى المئوية لوعد بلفور، موجهاً رسالته إلى القمة العربية يدعوها أن تعلن أن وعد بلفور باطل بمقتضى القانون الدولي كما يتجلى خاصة في شرعة حقوق الإنسان، رغم ما أنتج من حقائق على الأرض، ومخاطبة الأمم المتحدة لكي تناقش كلمات وعد بلفور التي خطها قلم أصولي ديني فكان من نتائجها ليس فقط إهدار حقوق شعب فلسطين، بل إيقاف مسيرة تطور المنطقة الطبيعي باتجاه روح العصر وثقافة التنوير.
بداية أقول إن ذكرى مئوية وعد بلفور تأتي في مرحلة مفصلية في تاريخ العرب الحديث، بعد أن استعرت الحرب على الكيان العربي بكل دوله وأقطاره، وحقق المخطط التآمري الصهيوني الاستعماري تقدماً ملحوظاً في تفكيك هذا الكيان وخلق اضطرابات وفوضى في معظم أقطاره إن لم نقل جميعها.
لقد كان وعد بلفور إشارة البدء بتنفيذ المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى السيطرة ليس فقط على فلسطين والمنطقة بأكملها، بل السيطرة على العالم برمته وللأسف لم تقم الدول العظمى والكبرى، التي تحكم العالم، بواجبها في إيقاف تمدد هذا المشروع، بل على العكس تماماً، دعمته وساندته ومكنته من الوصول إلى مراكز القرار في العالم كله!
وأدى ذلك إلى خلل كبير في النظام العالمي، الذي فقد توازنه ومصداقيته، وأصبح القانون الدولي في مهب الريح، ليحل محله «شرعة الغاب».
فمعظم قرارات مجلس الأمن بقيت حبراً على ورق، ما أدى إلى تفاقم الأزمات وزيادتها بشكل كبير وخروجها عن السيطرة.
إن التغيرات التي حصلت في العالم خلال العقود الأخيرة، والتي انبثق عنها ما سمي «النظام العالمي الجديد»، حملت في طياتها كثيراً من التساؤلات حول مدى تحقيقها للأمن والاستقرار في العالم الذي لا يمكن أن يتحقق إلا بتطبيق مبادئ الحق والعدل.
لقد جاءت «العولمة» لتحقق مصالح الدول الكبرى وتخترق الدول النامية والفقيرة لتفسد أحوالها ومصالح شعوبها، فكانت قوانينها التي فرضت على جميع دول العالم تحمي الأقوياء والأغنياء وتتجاهل مصالح الضعفاء والفقراء الذين يشكلون الأغلبية العظمى لشعوبها، وأدى ذلك إلى انهيارات مجتمعية ألغت الطبقة الوسطى التي كانت تشكل الأساس السليم للحياة السياسية والثقافية في الدولة والمجتمع.
وأستطيع أن أؤكد أن العالم وصل إلى طريق مسدود في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ولابد من صياغة نظام عالمي جديد يسود فيه العدل والأمن والاستقرار والازدهار. ولست متفائلاً بتحقق ذلك، بل إنني أرى أن العالم في طريقه إلى حرب عالمية لا يستطيع أحد توقع مداها ونتائجها.
أعود إلى موضوع وعد بلفور الذي انطبع في ذاكرتنا منذ نعومة أظافرنا أنه «الوعد المشؤوم»، وأقول إن ما دعا إليه الدكتور جورج جبور في غاية الأهمية، للتذكير بقضية العرب المركزية، في الوقت الذي يتعرض فيه العرب لأشرس حرب تستهدف هويتهم بعد أن استهدفت مشروعهم الوحدوي «المشروع القومي العربي» الوحيد القادر على مواجهة المشروع الصهيوني.
وأؤكد للعالم كله أن العرب حملوا عبر التاريخ الحضارة والسلام إلى العالم، وعندما حاربوا، كانوا يدافعون عن الحق ويسعون لاسترداد حقوقهم، وكانت رسالة الإسلام التي حملها النبي العربي محمد عليه الصلاة والسلام رسالة محبة وسلام وإخاء.
وسيبقى العرب على أرضهم متمسكين بهويتهم وانتمائهم الأصيل، رافعين راية السلام والمحبة، في الوقت الذي لم ولن يتخلوا فيه عن سيفهم للدفاع عن أنفسهم وحقوقهم التي لابد من استرجاعها مهما طال الزمن.
وعلى إسرائيل ومن يدعمها أن يدركوا أن الحل الشامل والعادل وفق ما نصت عليه المبادرة العربية، هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام الذي لابد منه لتحقيق أمن واستقرار المنطقة والعالم أجمع.
باحث ووزير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن