قضايا وآراء

هل نعيش زمن المعجزات؟

د. بسام أبو عبد الله : 

 

زيارة وزير الخارجية الأستاذ وليد المعلم إلى موسكو تبدو لي مهمة للغاية في هذا الوقت الحساس، وهي تذكرني بزيارته الشهيرة إلى موسكو أيضاً التي نزعت فتيل عدوان أميركي محتمل على سورية، وشعبها آنذاك عبر ما سمي (الحل الكيميائي). الآن أي معادلة كيميائية ستنتج عن هذه الزيارة؟ وماذا يحضر في مطابخ القرار الدولي بشأن الحل السياسي في سورية؟
دعوني هنا أشير إلى عدة رسائل يمكن التقاطها من زيارة الوفد السوري إلى روسيا:
الدعم الروسي لن يتزعزع لسورية، وقيادتها، وشعبها، وقد أشار إليه الرئيس بوتين صراحة، وبوضوح بالغ لمن يريد أن يفهم خلال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي مؤخراً، وخلال لقائه وزير الخارجية السوري إذ عبّر المعلم في المؤتمر الصحفي عن تلقيه وعداً من الرئيس بوتين بالدعم السياسي، والاقتصادي، والعسكري، ومن ثم فإن مراهنات البعض في حلف العدوان على سورية بتغيرات في الموقف الروسي قد انتهت، وسقط مفعول استخدامها في الحرب الإعلامية، والنفسية.
يبدو أن موسكو تلقت إشارات واضحة من دول إقليمية متورطة في العدوان على سورية بالاستعداد للتعاون في مكافحة الإرهاب وهو ما يمكن ربطه بلقاء بوتين وأردوغان في باكو، وزيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى موسكو، واللقاءات الدبلوماسية التي أجراها ميخائيل بوغدانوف في أنقرة، والرياض، إضافة إلى الاتصال الهاتفي بين بوتين وأوباما، ولقاء كيري ولافروف في فيينا بعد زيارة المعلم.
هنا يبدو أن كلام الرئيس بوتين عن تحالف بين دول المنطقة لمكافحة الإرهاب هو خلاصة الإشارات التي تلقاها، والتي ترى دمشق أنها ستكون (معجزة كبيرة جداً) حسب قول المعلم إن تحققت، ليس لأن مواقف هذه الدول هي (منة) منها، وإنما لأنه من الطبيعي أن يكون ذلك وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي (2170-2178-2199)- ومن ثم فإن سياسات هذه الدول أساساً كانت مخالفة للقرارات الأممية، وتمارس دعم الإرهاب والعدوان.
تبدو دمشق هنا منفتحة على خيار التنسيق في مكافحة الإرهاب، وليس التحالف، إذ كيف يمكن التحالف مع من شارك في سفك دماء السوريين طوال سنوات كما قال الوزير المعلم، ولكن دور الدبلوماسية دائماً هو البحث عن الحلول ضمن إطار الثوابت السورية التي لم تتوقف دمشق عن إعلانها سواء في تصريحات مسؤوليها، أم عبر مندوبها في الأمم المتحدة.
الأهم أن دول العدوان على سورية بدأت تعيد حساباتها بعد الخسائر المتتالية فالرئيس التركي أردوغان تلقى صفعة في الانتخابات الأخيرة، وبدأ يشعر أن كوارث السياسة الخارجية التركية سوف تنعكس على الأمن القومي التركي، وأن التقسيم لن يشمل دول المنطقة فقط- إنما سوف يمتد إلى تركيا أيضاً من خلال (المشروع الكردي) المدعوم أميركياً وغربياً ومن هنا فإن الحسابات قد تتغير ضمن هذا الإطار، وأما السعودي فقد بدأ يغرق في اليمن، والإرهاب الذي صنعه يضرب أبواب المملكة ورهاناته خابت- في سورية، فماذا يفعل؟
إن انتشار الإرهاب أصبح ظاهرة خطرة للغاية على أمن واستقرار المنطقة، والعالم، وواضح أن هذه القضية تحتل الأولوية لدى كل دول العالم، ومن ثم فإنه لا إمكانية للاستمرار في السياسات القديمة العدوانية تجاه سورية، بعد فشل الرهان على الإرهاب وداعميه، وانتقال هذا السرطان إلى كل أنحاء العالم منها: باريس- بروكسل- الكويت- والسعودية تُضرب في عقر دارها، ولندن تتهيأ ولا أحد يعرف من التالي؟
إن التفاهم النووي الإيراني الغربي سيكون نقطة تحول في تاريخ المنطقة، والعالم، وسيكون له تداعيات على مستوى النظام الإقليمي برمته، وملفاته.
إن مجمل هذه التحولات، والإشارات تعطي دلالات على بدء تحقق «المعجزة» التي تحدث عنها المعلم في موسكو، ولكن المعجزة الأساسية التي أنتجت كل هذا التحول هي «معجزة الشعب السوري» فلولا أنه لولا ثبات الرئيس الأسد، وحكمته، وصلابته، وشجاعته لما تحققت «المعجزة» وهذا الثبات، وهذه الصلابة ناجمة عن عامل شخصي، وعن عوامل أخرى أشار إليها الرئيس الأسد أكثر من مرة وهي:
– جيش أسطوري يقاتل منذ أربع سنوات، وعدة أشهر من دون توقف.
– شعب أسطوري يقاتل، ويتحمل، ويدرس ويزرع، ويصنع في ظروف غاية في التعقيد.
– تلاحم الجيش والشعب والقيادة.
وباختصار، فإن شعباً ينتخب تحت القذائف ويستمر في التعليم، وحب الحياة، والإبداع، وتقديم الشهداء، والتضحية هو «المعجزة» التي ستصنع المعجزات الأخرى.
– هل نعيش زمن المعجزات؟ أقول: نعم إنه زمن الشعب السوري العظيم- وجيشه الباسل- وقائده الذي دفع ثمناً غالياً- ولكنه أنتج المعجزات التي سنرى نتائجها في المستقبل القريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن