قضايا وآراء

الهدوء المنتج

| سامر ضاحي 

يسود الجولة الحالية من مباحثات جنيف هدوء غريب على عكس ما سبقها من جولات لطالما شهدت صخباً إعلامياً وسقوف توقعات مرتفعة، وانتقل الهدوء إلى تصريحات وفدي الحكومة السورية و«منصة الرياض» المعارضة بعد جولات سابقة شكلت خلالها مؤتمراتهما الصحفية منصات لتبادل الاتهامات التي خفت حدتها على ما يبدو مؤخراً.
ومع الشح الشديد في الأنباء الواردة عن الاجتماعات المغلقة التي يجريها المبعوث الأممي وفريقه مع الوفدين السابقين إضافة إلى وفدي منصتي موسكو والقاهرة المعارضتين، فإن ذلك يدفعنا للتفاؤل أكثر للتكهن بحصول اختراق أو تقدم في الجولة الحالية عن سابقاتها رغم أن مصير المبعوث الأممي بات على محك التفاوض أيضاً ودفع الكثيرين للتخوف على مستقبل مسار جنيف فيما بعده وإمكانية العودة إلى نقاط سابقة للانطلاقة الحالية.
التفاؤل بالجولة الحالية مرده إلى ما يمكن تسميته ضغوط التفاوض التي دفعت وفد الحكومة وكذلك وفد الرياض لتخفيف حدة الخطاب الإعلامي على حساب تكثيف الاجتماعات، ليأتي الحضور الروسي هذه المرة على غرار الجولة السابقة ويزيد على ما يبدو على تلك الضغوط ضغوطاً أخرى تدفع لحلحلة بعض العقد التي تكتنف مسار التفاوض.
ومع نجاح الجولة الحالية بالحديث ولأول مرة في مواضيع ما اصطلح على تسميته بـ«السلال الأربع» التي تتضمن «الحكم، والدستور والانتخابات والإرهاب»، فإن ذلك بحد ذاته أيضاً يعتبر تقدماً، وكما هو متوقع فإن الحديث في السلة الأولى يواجه حتى الآن اختلاف مفهوم الحكم بين الوفود وإصرار منصة الرياض على هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحية ورحيل الرئيس بشار الأسد وهو ما يتناقض مع القرار 2254 الذي يعتبر أساساً للتفاوض.
التعقيد ينسحب إلى سلة الإرهاب، ذلك أن منصة الرياض بسياسييها لا تستطيع الضغط على عسكرييها من أجل التبرؤ من جبهة النصرة الإرهابية وهي التي تشن معهم معارك في غوطة دمشق ودرعا وريف حماة وليس ذلك فحسب بل تقودهم ايضاً، إلا أن سلة الانتخابات على ما يبدو وكذلك سلة الدستور شهدتا انفتاح الوفدين أكثر على نقاشهما ويبدو أن تفاهمات مرحلية أو مبدئية قد يتم التوصل إليها بهذا الخصوص لكن كما أسلفنا يدفع غموض مصير دي ميستورا الأطراف المختلفة إلى عدم المجاهرة بذلك.
ويبدو أن الروس والإيرانيين والأتراك لهم مصلحة بتقدم جنيف مقابل الدعم الدولي المتحصلين عليه في مسار أستانا، لكن على ما يبدو فإن العيون باتت متركزة على الميدان الساخن ليس في غوطة دمشق وريف حماة ودرعا لأن المعارك هناك مضمونة للجيش العربي السوري وإن تأخر حسمها إلا أن العيون باتت تجحظ إلى مصير الشرق والشمال السوري مع الانخراط الأميركي المتزايد في مكافحة داعش لكن إلى جانب قوات سورية الديمقراطية وليس الجيش العربي السوري الذي يواصل تقدمه بثبات نحو تلك المناطق وإلى أي حد سيصل هذا الانخراط.
ويلاحظ على هذه الجولة أيضاً أن منصتي القاهرة وموسكو خففتا من حدة خطابهما وهو ما قد يشير إلى إمكانية الإسراع بتوحيد وفد المعارضة وهو الأمر الذي نادى به الوفد الحكومي منذ الجولات الأولى واعتبره أساسا لنجاح التفاوض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن