اقتصاد

ثقة.. هوية.. ثنائية حتمية لاقتصاد فاعل

| حسام يونس مصطفى

لا يبدو من المنطق إغفال الدور الجوهري الذي يمكن لوسائل الإعلام أن تلعبه في الاقتصاد، والتجارب الاقتصادية الحديثة ماثلة تشهد بحرفية الكثير من الحكومات في هندسة جسور الثقة مع المواطن.. والعبرة تكمن في الجسر الذي تقيمه الحكومة مع مواطنيها من خلال وسائل الإعلام، ذلك أن تعميماً إعلامياً واحداً من الحكومة كان كافياً لتلتزم به أمة كاملة.
إن بياناً اقتصادياً أسبوعياً تتوجه من خلال إحدى الجهات المسؤولة بخطاب شعبي توضح فيه أهم المتغيرات الاقتصادية وتشرح الأسباب المؤدية إلى ارتفاع الأسعار، وانقطاع الكهرباء، وعدم توافر سلعة معينة.. الخ سيكون كفيلاً بترميم الجسور تلك، بشرط الواقعية وإشراك المواطن بالحوار الاقتصادي، وليس التسويغ المكرور غير الواقعي.
ثقة المواطن بحكومته لا يعدو كونه حجر الأساس لتحديد هوية الاقتصاد الوطني، فالتماس التشوه الذي يسود اقتصادنا لم يعد حكراً على أهل الاختصاص من الاقتصاديين، بل أصبح معروفاً للجميع، ساعدهم في ذلك التناقض بين الشعارات الرنانة من جهة والواقع الأليم من جهة أخرى إضافة إلى الثنائية التي تقض مضاجعهم (اشتراكية/ رأسمالية) فالأسعار (الرأسمالية) تكوي بنيرانها الدخول (الاشتراكية) في اقتصاد اصطلح في العام 2005 على تسميته (اقتصاد السوق الاجتماعي)، الذي تخلى عن بعده الاجتماعي عند أول قفزة لسعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، من هنا ظهرت الحاجة القصوى لتحديد هوية الاقتصاد الوطني كخطوة في طريق التصحيح المنشود، ما يتطلب اعترافاً جريئاً باستحالة الاستمرار في نهج اقتصاد السوق الاجتماعي، ذلك أن معظم الأجهزة الإنتاجية في الدولة أصبحت لا حول لها ولا قوة والبيئة الاستثمارية لا تشجع كثيراً على استقطاب رؤوس الأموال الخاصة.. مروراً بالتشريع الضريبي الضعيف البنيان وغياب المحفزات المشجعة على الاستثمار، وصولاً إلى ظهور طبقة من تجار الأزمة ممن راكموا ثرواتهم على أنقاض الحرب.
وسط الصورة القائمة هذه تطل التجربة الصينية برأسها من نافذة اقتصاد السوق الاشتراكي، التي أثبتت أن الاقتصاد يمكن أن يكون اشتراكياً يحافظ على الملكية العامة لوسائل الإنتاج وتقوم من خلاله الدولة بحماية مواطنيها ورعايتهم اجتماعياً ومعيشياً، كما يمكن له أن يكون رأسمالياً يوفر التربة الخصبة لعمل القطاع الخاص ويغريه بالأرباح الممكنة التحقيق.
ليس توضيحاً أن استنساخ التجربة الصينية غير مجد ما دام الاقتصاد السوري له خصوصيته المختلفة، إلا أن العناوين العريضة لتجربة التنين الصيني تستحق التأمل، إذ إن بلد المليار نسمة أدرك أن تطوير الريف واستصلاح الأراضي الزراعية حجر الزاوية في أي تحديث اقتصادي منشود.. وما أشدنا حاجتنا إلى تطوير كهذا!
فالارتفاع الحاد في تكاليف العملية الزراعية أثقل كاهل الفلاح وأعياه، وهو ما يفرض توجهاً نحو دعم الصناعة الزراعية «ذات رأس المال المحدود التي يمكن تمويلها بقروض دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة» في المناطق الريفية. تلك المشروعات التي يرجح أن ينبري الفلاح نفسه للاستثمار بها.
ربطاً بالإصلاح الزراعي، باتت الحاجة ملحة لإنقاذ القطاع الصناعي، وأي إصلاح منشود لا بد أن يستهدف زيادة ولاء العاملين في منشآت القطاع العام الإنتاجية لزيادة إنتاجيتهم وعملهم بدلاً من الاكتفاء بالاعتراف بأن وسطي ما يقوم به الموظف من عمل خلال دوامه لا يتجاوز 22 دقيقة في اليوم!
وهنا تتجلى ضرورة تحويل بعض المنشآت الإنتاجية في القطاع العام إلى شركات مساهمة- توزع أسهمها للموظفين والمديرين مع احتفاظ الحكومة بالجزء الأكبر من هذه الأسهم ما يمكنها من اتخاذ القرارات، وبالتالي فإن المنشآت هذه إما أن تسارع إلى تطوير نفسها بما يخفض التكاليف ويعظم الأرباح فتتحول إلى منشآت ربحية تنافس القطاع الخاص من حيث الجودة والسعر وتلبي حاجات السوق المحلية، وإما أن تتم مشاركة القطاع الخاص بإحدى صيغ التشاركية مع القطاع العام (تطوير مشاريع، عقود إيجار… إلخ) وفقاً لقوانين وأنظمة الدولة السورية وبما يصون حق الدولة في اتخاذ القرارات ويضمن حقوق العمال بعدم تسريحهم أو الاستغناء عنهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن