ثقافة وفن

التضحية من أجل الوطن …حب الوطن غاية سامية.. والنموذج الأمثل للانتماء الأفضل

 إيمان أبوزينة : 

ما معنى التضحية؟
التضحية من أجل مَنْ؟
هل هناك حدود للتضحيات؟
طالما سمعنا هذه الأسئلة، وكثيراً ماوقفنا صامتين أمام إجاباتها إما لأننا ذهلنا أمام صمود أبطالها، أو لأننا حاولنا وتحلينا بالصبر وبذلنا قصارى جهدنا لكننا عجزنا أن نكون مثلهم.
معنى تضحية في «معجم المعاني الجامع»: التَّضْحِيَةُ بِالنَّفْسِ: بَذْلُهَا فِي سَبِيلِ قَضِيَّةٍ أو فِكْرَةٍ أو مِنْ أجل الآخرين من دُونَ مُقَابِلٍ، كَمَا تَكُونُ التَّضْحِيَةُ بِالْمَالِ أو العَمَلِ أو الْمَصْلَحَةِ.
سُئل الفيلسوف الإنجليزي «برتراند راسل»: هل أنت مستعد للتضحية بحياتك من أجل أفكارك؟ فأجاب: لا.. لأني على يقين من حياتي، ولكني لست على يقين من أفكاري.
يختلف مفهوم التضحية من شخص لآخر، فعالم النفس «أدلر» يرى أن: «التضحية سلوك ينبع من أسلوب الحياة، حيث تبلغ الذات فيه أعلى مراتب الإنسانية، لتكون ذاتاً فعالة خلاقة لأن تتخطى عقبات الحيات وظروفها». والطبيب قد يرى أنها هدف من أجل حياة أسرية كريمة له ولأسرته، والمهندس قد يراها ارتقاء في عمله وسمعته، والأم تراها إيثارا طافحا بالحب وانعدام الأنانية، والجندي يراها دفاعاً عن النفس والأرض، لذلك فإن لكلٍ منا رؤيته ودوافعه وانفعالاته أمام التضحية للحفاظ على وجوده لتحقيق مايطمح إليه، ومايحقق أهدافه من أجل العيش الكريم وتحقيق الطمأنينة والحماية.

التضحية من أجل مَنْ؟
الكثيرون منا يعترفون بأن التضحية لابد أن تكون من أجل أمر عظيم يستحق أن نبذل الغالي والرخيص له، لكن الجميع يجزم بأن التضحية تكون «فداءً لما نحب» سواء كان هذا الحب «أنانيا» مثل شخص يفكر في أن يكون الأفضل، ويتوقع ممن حوله تقديم الدعم والعون حتى لو كان ذلك يعني التضحية بمصالحهم الخاصة، أو «غيريا» مثل الأم التي تضحي في سبيل مصلحة أبنائها، أو حتى «شخصياً» مثل تصريحات نجم برشلونة ومنتخب الأرجنتين «ليونيل ميسي» الذي قال: إنه مستعد للتضحية بكل جوائزه وأرقامه الشخصية مقابل فوز الأرجنتين بلقب كأس العالم في البرازيل.
لكن، ومما لا شك فيه أن حب الوطن هو الأسمى والأعزّ لما يحمله من معاني كبيرة وشعور بالانتماء فقد تربينا وتعلمنا أن الوطن هو الكرامة والعدل، وحبه واحترامه والولاء له هو الدافع لنا للدفاع عنه، والإخلاص والتفوق من أجله.
يقول الدكتور «مجدي» 67 عاماً – طبيب جراح -: سورية هي وطني، وهي المكان الذي ولدت فيه ونشأت وترعرعت في دفئه، والذي أحمل جنسيته. سورية أصبحت جزءاً مني ورمزاً لكرامتي، وأنا مستعد أن أضحي بحياتي من أجلها أمام هذه الهجمة الشرسة التي نتعرض لها لأنها تستحق ذلك، وأنا أرفض مغادرة هذه الأرض وسأبقى لأعمل ولأقدم نفسي دون تردد.
الجند «مهند» 26 عاماً قال: كنت أراهم رجالاً أشداء أوفياء للوطن فقررت التطوع لأكون واحداً من الذين يدافعون عن سورية بروحي، فالوطن عطاء ومسؤولية وإخلاص.
العيون الساهرة

لم يعد رجال الجيش والأمن والشرطة هم وحدهم الجاهزون على مدار الساعة في الخطوط الأمامية للدفاع والقتال الشرس من أجل الوطن، بل أصبح الناس جميعاً يقدمون العون والمساعدة، ويكبر عندهم الشعور الكبير بالمسؤولية تجاه أمن الوطن وحمايته والدفاع عنه والحفاظ على استقراره.
صار الجميع جاهزين لتسخير ما يملكون لرفعة الوطن، فمحبته كما تقول الصيدلانة «مها»: غريزة فطرية نشأنا عليها، فأصبح الوطن بيتاً يسكن قلبنا، وانتماء نتفانى في سبيل رفعته.
«عمر» طالب متطوع في الهلال الأحمر العربي السوري أشاد بتضحيات الشهداء من المتطوعين أثناء قيامهم بواجبهم الوطني والإنساني التطوعي في ظل الظروف التي تمر بها سورية، وتحدث عن صديقين له استشهدا أثناء تأدية مهامهما حين كانا يقومان بتجهيز مراكز إيواء للسكان الذين هربوا من أماكن القتال في محافظة حمص وأضاف: رغم كل شيء يبقى الوطن هو الأساس، والتطوع في أي مجال من مجالات الخدمة المجتمعية هو إثبات على حب الوطن، وتعزيز فخرنا به.
السيدة «رفيدة» – ربة منزل -: محبة الوطن تأتي من دور الأم في التربية السليمة والتنشئة لبناء وتأسيس أجيال على القيم الإيجابية، وإعلاء الإحساس بالوطنية لدى أبنائها.

لماذا نحب الوطن ونضحي من أجله
الباحث في علم النفس السيد «خلدون حمّيد» أكد أن الإنسان ينتمي منذ ولادته إلى العائلة ثم المدرسة، والمحيط، والمدينة، والوطن، والانتماء Belongingness يعني الارتباط والتآلف مع المنتمي إليه، وعندما ينضم الفرد إلى الجماعة فهذا يعني السير مع معاييرها وقوانينها وتقاليدها، وحب الوطن يعتبر النموذج الأمثل للانتماء
إلى الدولة والمجتمع للشعور بالاستقرار والحماية والارتباط بالجذور، وعادة ما تكون البداية مع الطفل من خلال غرس حاجة الانتماء الوطني في نفسه سواء عبر البيت أو المدرسة، أو وسائل الإعلام، حيث أكدت الدراسات أن الولاء للوطن يعني الصحة النفسية للفرد لمواجهة المشاكل والشعور بالأمن والطمأنينة، لذلك فإن تفعيل هذا الولاء يأتي من خلال إشعار الطفل أنه جزء من هذا الوطن ما يولد لديه الشعور بالاعتزاز والفخر حين يكبر، والحقيقة أن ما حدث خلال السنوات الخمس الماضية ترك آثاراً نفسية في الناس من الصعب أن تزول حتى لو انتهت الحرب، لكن الحل يكون من خلال تأكيد الرغبة لدى الشباب في الانتصار والمثابرة والتعاون من أجل تجسيد الانتماء للوطن بكل قيمه المقدسة.
«ولاء» متطوعة في الدفاع الوطني قالت: لا أحد يستطيع المزاودة على حبنا لوطننا وتعليمنا معاني الوطنية، فقد رضعنا تاريخه وحضارته لذلك فإن الارتباط بالوطن والهوية يجري في دمنا، وهو مصدر اعتزاز وولاء لنا.
السيد «عبد الرحمن» ضابط متقاعد قال: إنه سؤال مهم وعميق، فالوطن يمنحنا الأمان والاستقرار، فهو الذي عشقنا ترابه وجباله وبحره وسماءه، وما قدمه أسلافنا بالدم لابد أن نتابعه الآن من أجل نموه وازدهاره مستقبلاً، ومن أجل هذا يجب أن نكون جاهزين للوفاء والعطاء.
السيدة «سناء» أم لشهيدين فقدت أحدهما أثناء تأديته للخدمة الإلزامية في مناطق المعارك في حلب، وفقدت الثاني جراء سقوط قذيفة هاون في منزلها الذي تهدم بالكامل، وهي الآن تعيش في بيت صغير في دمشق، وبكلمات يملؤها الحزن والدموع قالت: لي ابن ثالث مازال يدرس في الجامعة وهو من المتفوقين، وابنتان تساعدانني في البيت خلال العطلة الصيفية، وأنا وزوجي مستعدان لنموت جميعاً من أجل سورية. لقد ربينا أولادنا على حب الوطن والتعلق بترابه كما تربينا نحن، وما نراه من صمود أبناء جيشنا وتضحياتهم للدفاع عن وطننا لا يقارن بفقداني لولديّ. أنا أصلي لهما ولكل جندي في ساحة المعركة، الصبر هو قوتنا لتحمل هذه المحنة التي أصابت بلدنا وأمننا، ولا أتمنى إلا الدعاء بالنصر لهذه الأرض التي تربينا في ظل أمجادها.
أما زوجها السيد «فراس» فأضاف بحزن: لقد ضحى جيشنا الباسل بحياته فكان حامياً للأرض والوطن، وأنا مؤمن بقدرته على تخليصنا من المسلحين والإرهابيين، لذلك فإن استشهاد ولديّ ليس إلا ثمنا بخسا أمام ما يقدمه الجيش لحمايتنا وحماية حدود وطننا.

خاتمة
حب الوطن والتضحية من أجله هو واقع يستحق أن نعمل بحب وتفان من أجل المحافظة عليه لأنه أثمن ما في وجودنا وانتمائنا، فالوطن هو التاريخ والحضارة والتراث، وهو الذي سكن جسدنا وروحنا وذاكرتنا، ومن أجله وخاصة في هذه الفترة العصيبة نحتاج إلى العمل من دون مقابل، لأن الوطن فوق كل شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن