قضايا وآراء

نمو التحالف الروسي الصيني مع تراجع الأوروبي الأميركي

| تحسين الحلبي 

منذ إعلان الرئيس الأميركي بوش الابن حربه المزعومة على الإرهاب في أعقاب تفجيرات 11 أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن، لا تزال السياسة الخارجية الاستراتيجية للإدارات الأميركية حتى الآن تتبنى هذه الحرب بعد أن توسعت رقعة التدخل الأميركي العسكري باسمها، ولذلك لا ينكر معظم المحللين الأميركيين والأوروبيين بأن إدارة بوش وإدارة أوباما وإدارة ترامب الجديدة لا تزال توظف إرهاب القاعدة وداعش وحلفائهما في جدول عمل السياسة الخارجية الأميركية وبأشكال مختلفة وضعت لها «قواعد لعب» مختلفة في ساحات مختلفة من العراق إلى سورية وليبيا واليمن، وتبيَّن بموجب تطبيق هذه السياسة الخارجية الأميركية أن المصلحة الاستراتيجية الأميركية تهدف إلى إطالة أمد «الحرب على الإرهاب» على المستوى الإقليمي والدولي بغض النظر عن المتضررين منها سواء أكانوا من دول صديقة مثل العراق أو دول معادية مثل سورية وإيران، وتحت مسمى أميركياً إقليمياً تطلقه واشنطن وحلفاؤها في المنطقة «حرب السنة على الشيعة»، يلاحظ الجميع أن الإرهاب الذي تشنه مجموعات القاعدة وداعش، أصبحت ساحته المركزية هي العراق وسورية، بينما تصل تهديداته إلى إيران بتحريض سعودي وقطري من دون أن ينتقل إلى دول تطلق عليها واشنطن «الدول العربية السنية المعتدلة»، وبهذا الشكل تتحول مجموعات داعش والقاعدة والنصرة إلى دور يخدم مصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة، كما يلاحظ الجميع أن القوى التي تحارب هذا الإرهاب بمصداقية ومن دون هوادة هي الساحات نفسها التي تستهدفها واشنطن مثل سورية والعراق واليمن وإيران على المستوى الإقليمي، وروسيا والصين على المستوى الدولي، بسبب تحالفهما مع هذه الأطراف ومناهضتهما لهذه الاستراتيجية الأميركية العدوانية على الشعوب باسم الحرب على الإرهاب وهذا ما يشير إليه «تقرير مجموعة الأزمة الدولية حول مزالق الحرب على الإرهاب» الذي يحذر من خطورة خلق بيئة سياسية تقدم لداعش والقاعدة المجندين لشن حربهم التكفيرية، وهذا ما تقوم به السياسة الأميركية والمحلية في بعض الدول العربية حين تحرض ضد سورية والعراق وإيران واليمن، ومثل هذا الدور يمنح داعش والقاعدة دعماً صريحاً ويطيل أمد الحرب على مجموعاتها.
يؤكد التقرير أن تصفية داعش والقاعدة والنصرة، ليس من أولويات جدول العمل الأميركي والسعودي والقطري والتركي، لأن هذه المجموعات لا ترى فيها هذه الدول، العدو ،المركزي وهي تعلن دائماً أن عدوها المركزي هو القيادة والجيش السوري والقيادة العراقية والقيادة الإيرانية، ولذلك يصبح كل انتصار لهذه الأطراف المتصدية بمصداقية للإرهاب، هزيمة وتفتيتاً للاستراتيجية الأميركية ووكلائها المحليين.
لا أحد يشك أن روسيا تدرك هذه الحقائق، لكنها رغم ذلك تجد أن أفضل الطرق لتسريع الحرب على الإرهاب هو دعوة واشنطن للمشاركة في هذه الحرب بالتنسيق مع روسيا والدول الأخرى التي تجابه الإرهابيين مثل سورية وإيران، وهذه الدعوة الروسية تهدف إلى إحراج إدارة ترامب أمام المجتمع الدولي الذي يتبنى ضرورة شن حرب حقيقية على إرهاب القاعدة وداعش والنصرة، لكن روسيا لا تعول غالباً على صدق النيات الأميركية رغم ما تعرضه من دعوة علنية لمشاركة أميركية جنباً إلى جنب مع هذه الدبلوماسية التي توقف موسكو وحلفاؤها عن تعزيز القدرات العسكرية والسياسية لمنع إطالة وجود هذه المجموعات الإرهابية في سورية وبقية الدول الأخرى.
يلاحظ الجميع أن التطورات على الساحة الدولية بين أوروبا والولايات المتحدة وبين الولايات المتحدة والصين، بدأت تتجه نحو فرز بين مختلف القوى الغربية، فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والإعلان الواضح لترامب عن دعم خروج بريطانيا، دفع رئيس الاتحاد الأوروبي «يونكر» إلى تهديد ترامب بأن الاتحاد قادر على تشجيع تكساس وأوهايو على الانفصال عن الولايات المتحدة، وهو أول سابقة تهديد للاتحاد الأوروبي ضد الولايات المتحدة.
فتحالف البريكس الدولي ومنظمة دول شانغهاي للتعاون، اللذين تقودهما روسيا والصين والهند، يزيد في استقرارهم على حين أن أوروبا تدخل الآن في أزمة مع بريطانيا والولايات المتحدة، حتى قبل استكمال عملية خروج بريطانيا من الاتحاد، كما أن ترامب نفسه يتعرض لاتهامات وإخفاقات في تمرير سياساته الداخلية ويتعرض فريق عمله في السياسة الخارجية لاتخاذ سياسة تتناقض معها وزارة الدفاع، ويوماً تلو آخر تزداد أزمات المعسكر الغربي بطريقة تزيد فيها احتمالات الانقسامات والعجز عن بلورة سياسة واحدة تجاه النزاعات الإقليمية والدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن