سورية

حين تعترف إسرائيل بميزان قوة تميل كفته لمصلحة سورية وحلفائها

| تحسين الحلبي

يؤكد كثيرون من السياسيين في الغرب والمنطقة أنه لولا انخراط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الخطة التي وضعها أوباما عام 2009 لإسقاط الدول الوطنية العلمانية مثل سورية ومصر وليبيا وتونس واليمن، وتغيير أنظمة حكمها بنظام يحكمه الإخوان المسلمون، لما تعرض بعد فشل هذه الخطة، في كل من مصر وسورية وتونس، لكل الأزمات التي يعانيها في الداخل ومع الجوار.
وهذه الخطة كان قد كُشف عنها في نص التوجيه الرئاسي الأميركيPSD11 الصادر في عام 2010، وكان الهدف منها تحويل أردوغان في تركيا إلى المنسق الأعلى لكل هذه الخطة، ولذلك سرعان ما تمتنت علاقاته مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي حين جرى انتخابه ومع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة «الإخوان المسلمين» في تونس للإطاحة بحسني مبارك وزين العابدين بن علي، وهذا ما جعله يتبنى فتح قواعد عمل عسكري وسياسي للإخوان المسلمين في إسطنبول وقرب حدود تركيا مع سورية منذ بداية الأزمة السورية، وما تبع ذلك من التحريض على لجوء السوريين إلى تركيا.
وبعد إحباط هذه الخطة، بفضل صمود سورية وتضحياتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية، يزداد الحديث الآن في واشنطن وباريس وأنقرة عن مقاربات سياسية تخلت فيها هذه العواصم عن شعارها الداعي «لتغيير النظام السوري» لكنها رغم هذه الهزيمة ما تزال تحمل جزءاً من نواياها الشريرة ضد سورية.
ففي معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تجري متابعة الوضع السوري بقلق شديد لا يخفي الشعور الإسرائيلي مرارة الهزيمة، لأن سورية لم تتفتت قدراتها العسكرية وقواعد صمودها الوطني، بل أصبحت بفضل تحالفها الإقليمي والدولي منيعة أمام كل مخطط إسرائيلي، وتحت عنوان: «بدأت المعركة لتشكيل وجه سورية» بقول العميد المتقاعد من المخابرات الإسرائيلية العسكرية أودي ديكيل: إن «ميزان القوى في سورية أصبح يميل ضد مصلحة إسرائيل لأن قوة سورية مع قوات حلفائها هي التي تتحكم بمستقبل تشكيل وجهها وهذا لن يرضي إسرائيل».
وفي الوقت نفسه يحمل هذا الاعتراف تأكيداً لهزيمة أردوغان الذي كان يحلم أن ينقل الإخوان المسلمين وحلفاءهم إلى الحكم في سورية.
في الاتجاه نفسه نشرت مجلة «ذي غلوباليست» الأميركية الإلكترونية تحت عنوان مشابه «المعركة حول مستقبل سورية» بقلم أهم باحث في شؤون الشرق الأوسط في إسرائيل وهو ألون بن مائير، يعترف فيه هو الآخر بما يلي: إن الرئيس الأسد «نجح في فرض التراجع على الجيش الحر والمعارضة ولم يجدوا أمامهم سوى التفاوض معه»، وأشار إلى أن جبهة الرئيس الأسد موحدة بينما جبهة المعارضة تعاني الانقسام، وأن روسيا كحليف دولي أصبحت القوة الأكثر تأثيراً في سورية والمنطقة، إضافة إلى إيران، بينما يعاني الدور السعودي ضعفاً شديداً، وبالمقابل نجد أن تركيا احترقت أوراق أهدافها الكبرى ضد سورية وأصبح مبررها الوحيد الذي تراهن عليه في تدخلها هو مسألة أكراد سورية الذين سينضمون إلى مفاوضات جنيف وأستانا ضمن إطار المفاوضات التي ستقطع الطريق على المبرر التركي وتثبت بطلانه، لأن سورية لا يمكن أن «يحدد وجهها» في المستقبل سوى هذا الشعب كله الذي اصطف إلى جانب قيادته ضد كل أشكال التفتيت والتقسيم وانتصر مع جيشه وحلفائه على أصحاب هذا المخطط المعد منذ عام 2010 من أوباما. ويتوقع التحليل الذي كتبه بن مائير أن يجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه مجبراً على طي صفحة مخطط أوباما وفتح طريق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعادة الاستقرار إلى سورية، ولعل هذا ما دفع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون إلى الإعلان من أنقرة أن الشعب السوري هو الذي يقرر مستقبل سورية، وكأنه يعلن عن هزيمة مخطط أوباما الذي كان يستند إلى توظيف أردوغان لتحقيق المصالح الأميركية من وراء تسليم الإسلاميين الحكم في الجمهوريات الوطنية العربية.
أصبح الزمن المقبل ضد مصلحة كل من تحالف مع هذا المخطط في المنطقة وفي الساحة الدولية، فها هي فرنسا تتراجع عنه وكذلك ألمانيا، وربما لم تبق سوى بريطانيا تتجنب الاعتراف بهزيمتها ،لأنها هي التي أول من ساند وشارك في تأسيس حركة الإخوان المسلمين في عام 1928.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن