سورية

صراع على الأدوار وسجال حاد حول اتفاق الفوعة الزبداني

| عبد اللـه علي

أثارت تسريبات من طرف واحد، حول اتفاق الفوعة الزبداني واحتمال استئناف تنفيذه بشروط جديدة، موجة عارمة من ردود الأفعال من الفصائل المسلحة وبعض الهيئات المعارضة، وسط صمت مطبق من دمشق وطهران.
وعلى ما يبدو فإن السجال الحادّ الذي نشأ على خلفية هذه التسريبات وما رافقه من تبادل اتهامات بالخيانة والعمالة، يشير إلى ما هو أبعد من مجرد انقسام الفصائل حول قضية الاتفاق، إذ يدل في بعض جوانبه، على صراع خفي بين بعض الأطراف الإقليمية على الأدوار السياسية وأحقية التمثيل على أي طاولة للمحادثات بالشأن السوري وحجم كل طرف وحدوده.
وذكرت التسريبات أن العاصمة القطرية الدوحة شهدت توقيع اتفاق بين إيران من جهة وكل من «هيئة تحرير الشام» و«أحرار الشام» من جهة ثانية، بخصوص الفوعة والزبداني وشروط وقف إطلاق النار فيهما. وبينما بقيت بنود الاتفاق سرية، أكد متحدثون باسم «هيئة تحرير الشام» و«أحرار الشام» صحة بعض البنود التي شملها التسريب، أهمها: وقف إطلاق النار في إدلب وتفتناز وبنش ورام حمدان وشلخ وبروما لمدة تسعة أشهر، وإخراج نحو 3000 شخص، من الراغبين، من الزبداني ومضايا وبلودان، مقابل إخلاء جميع أهالي الفوعة وكفريا في ريف إدلب على دفعات، وإجراء عمليات تبادل بين معتقلين ومخطوفين بين طرفي الاتفاق، إضافة إلى هدنة في مناطق جنوب دمشق، على أن يجري إخراج الراغبين بالخروج من مخيم اليرموك إلى الشمال بعد شهرين من بدء تنفيذ الاتفاق.
ولم يعرف حتى الآن ما إذا كانت هذه التسريبات تتحدث عن اتفاق جديد أم عن استكمال لاتفاق سابق تم التوقيع عليه في شهر أيلول من عام 2015 وجرى تنفيذ بعض بنوده على مرحلتين في الأشهر اللاحقة لتوقيعه. لكن ما يسترعى الانتباه هو أن التسريبات أشارت إلى أن المفاوضات الجديدة حصلت في العاصمة القطرية الدوحة، على حين الاتفاق السابق تم توقيعه في تركيا. كما كان من اللافت أن تحصل التسريبات في ذروة اندلاع المعارك في ريف حماة الشمالي، وهو ما يثير الشكوك حول سبب إطلاق هذه المعركة من «هيئة تحرير الشام» وغيرها وهي تعلم بحسب التسريبات أن تنفيذ اتفاق الزبداني الفوعة سيكون في وقت قريب. فهل كان أحد أهداف هذه المعركة هو التغطية على هذا الاتفاق أم محاولة لفرض شروط جديدة في ربع الساعة الأخير قبل التنفيذ؟
وحسب التسريبات فإن بنود الاتفاق الجديد بخصوص الفوعة والزبداني في حال صحة المزاعم حولها، لا تختلف عن بنود العديد من الاتفاقات التي جرى إبرامها خلال السنين الماضية بين الجيش السوري وبعض الفصائل المسلحة في إطار عمليات التسوية والمصالحة التي تشكل ركناً أساسياً من إستراتيجية الدولة السورية للخروج من الأزمة المستمرة فيها منذ ستة أعوام، بل إن بعض الاتفاقات شملت مناطق أكبر وأكثر أهمية من الزبداني والفوعة مثل الاتفاق الأخير في حي الوعر بحمص الذي جرى برعاية روسية مباشرة، لذلك بدا مستغرباً رد فعل بعض الفصائل والهيئات المعارضة على تسريبات الزبداني الفوعة، خاصةً أن بعض هذه الردود وصل لدرجة اتهام «هيئة تحرير الشام» و«أحرار الشام» بالخيانة والعمالة، لاسيما أن بعض الروايات أكدت أن «هيئة تحرير الشام» تلقت مبلغاً مقداره 30 مليون دولار من دولة قطر مقابل موافقتها على الاتفاق.
وأظهر السجال الدائر الأيام الأخيرة، وجود تناقض جذري بين موقف المعنيين بالاتفاق من فصائل الزبداني ومجالسها المحلية من جهة، وهيئة المفاوضات العليا، وبعض الفصائل الأخرى ممن ليس لها أي علاقة بالمنطقة وتطوراتها من جهة ثانية، إذ على حين يدافع الفريق الأول ممثلاً بـ«كتائب حمزة بن عبد المطلب» و«مجلس الزبداني المحلي» عن الاتفاق وملابساته، ذهب الفريق الثاني إلى اعتبار الاتفاق «جريمة ضد الإنسانية» وخطة «للتغيير الديمغرافي» تصب في صالح إيران حسب قوله، والغريب أن الهيئة العليا للمفاوضات وبعض الفصائل التي تنتقد ما ورد في التسريبات، شاركت بكثافة قبل عدة أشهر في الاجتماعات المكثفة التي شهدتها العاصمة التركية أنقرة من أجل التوصل لاتفاق حول أحياء حلب الشرقية والذي جرى تنفيذه دون أن يواجه مثل هذه الاعتراضات.
وفي خضم هذه المعمعة من البيانات والبيانات المضادة، لا يمكن إغفال بعض الملاحظات الهامة التي يمكن أن تشير إلى السبب الحقيقي الكامن وراء هذا التصعيد في مواجهة اتفاق لم تتبين كافة بنوده بعد، كما لم يقر به الطرف الثاني وهو إيران، وأهم هذه الملاحظات:
أولاً- انتقال المفاوضات حول الفوعة والزبداني من أنقرة إلى الدوحة، وهل سبب ذلك وجود تباين بين الدولتين أم أنه يتعلق فقط برفض «هيئة تحرير الشام– هتش» إرسال مندوبها إلى أنقرة لعدم إعطائها دوراً مجانياً على حسابها، وهنا لا بد من التساؤل عن التوصيف القانوني لاستقبال قطر رئيس الهيئة السياسية في «هتش» زيد العطار على أراضيها، وهو ينتمي إلى فصيل مصنف دولياً على لائحة الإرهاب، حيث أكد عدد من القياديين أبرزهم أبو أيوب المصري أن زيد العطار هو الذي مثّل «هتش» في اجتماعات الدوحة.
الثاني- لماذا كان ممثل ميليشيا «جيش الإسلام» محمد علوش ورئيس «هيئة المفاوضات العليا» رياض حجاب، وكلاهما مقرب من الرياض، من أوائل المنتقدين للتسريبات، على حين من المعلوم أن الفصائل التي شاركت في اجتماعات الدوحة، حسب التسريبات، هي «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» وكلاهما مقرب بشكل أو بآخر من قطر، كما تجدر الإشارة إلى أن «جيش الإسلام» و«هيئة المفاوضات» هما من المشاركين في العملية السياسية سواء في أستانا أو جنيف بخلاف «الأحرار» و«هتش».
الثالث- لماذا ترفض «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» الموافقة على مساعي الحل السياسي في أستانا وجنيف التي تحظى برعاية دولية، في حين تقبلان الجلوس مع ألد أعدائهما وهو الطرف الإيراني، حسب أدبياتهما، وتوقيع اتفاقات منفردة معه، مع الإشارة إلى أن «هتش» شنت في مطلع العام الجاري حملة عسكرية ضد الفصائل التي شاركت في أستانا بتهمة الخيانة «لدماء الشهداء».
الرابع- على فرض صحة التسريبات، لا يمكن التغاضي عن مدلولات قيام قطر بتوقيع اتفاق مع إيران و«أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» من دون استشارة أو إعلام «هيئة المفاوضات» أو الحكومة المؤقتة التابعة «للائتلاف السوري المعارض»، فهذا ليس مجرد تجاهل لهذين الطرفين فحسب، بل هو في حقيقته غمز من قناة الدولة التي ترعاهما وتقف وراءهما في كل حركة وسكون.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن