ثقافة وفن

نزار قباني.. قافية شموخ قاسيون … وزير الثقافة: نزار قباني استطاع إيجاد لغة تميزه عن باقي الشعراء الذين عاصروه

| سارة سلامة – «ت: طارق السعدوني»

«خرافة حرية النساء في بلادنا، فليس من حرية أخرى سوى حرية الرجال»، لم يحمل شاعر عربي هموم المرأة كما فعل نزار قباني حيث كان مدافعاً عن المرأة حقوقها هواجسها، قضاياها، وخلق لها في شعره مساحة من الحرية داعياً لها الخروج من ظلمات قبعت فيها لسنوات طويلة، فمنذ طفولته دخل في صراع مع التخلف والجهل وتمرد وأعلن العصيان على كل الأعراف والتقاليد البالية، وبعد أن كان مقرراً لها أن تعقد في الخامس عشر من الشهر الفائت حيث يصادف الاحتفال بمناسبتين تخصان المرأة وهما عيد المرأة وعيد الأم، أقيمت ندوة الأربعاء الثقافي مع مناسبتين تتوافقان مع الموعد الجديد وهما: ولادته ووفاته، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية بعنوان «نزار قباني.. قافية شموخ قاسيون»، وذلك بحضور السيد وزير الثقافة محمد الأحمد ومعاونيه، ونائب وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد، وتضمنت الندوة محاور متنوعة في مسيرة وحياة الشاعر الراحل نزار قباني شملت الأبعاد الشعرية عند نزار قباني، وأوراقاً منسية في حياته، وشعر القضايا في قصائده.

قامة إبداعية
استهل وزير الثقافة محمد الأحمد الندوة بالحديث عن اللقاء الأول الذي جمعه بالشاعر الكبير نزار قباني عندما كان طفلاً وقال: «كم كنت طفلاً سعيد الحظ عندما التقيت هذه القامة الإبداعية الرفيعة في منزل جدي، وسئل نزار يومها ما الشعر؟ فأجاب: ما الشمس؟ ما المطر؟ ما الكواكب والنجوم والشجر؟ الشعر هو تلك المياه الجوفية المخزونة التي تنتظر فرصة لتتجه كالبركان من باطن الأرض المالحة، الشعر هو تلك الطبقة السميكة من ملح البحر التي نغطي بها أجسادنا حرصاً ألا تتعفن، الشعر هو ذلك الصراخ الذي نوجهه إلى الليل ليصبح نهاراً وإلى اليباس ليصبح اخضراراً وإلى الخنجر ليصبح ورداً، الشعر هو ذلك الانقلاب الذي يقوم به الشاعر من داخل اللغة والقناعات الثابتة لتصير صورة الكون أبهى وأجمل، الشعر هو غاية الحرية التي يسلمها الشاعر لشاعر آخر».
وأضاف الأحمد إن «نزار قباني من الشعراء الذي استطاعوا إيجاد لغة تميزهم عن باقي الذين عاصروه، في دواوينه نلمس الحرية في ولوج المعالم الضيقة على كل ما هو راكد ومستكين، نزار وهو المحب للموسيقا في الشعر نجد أنه قصد قصيدة النثر في كثير من مجموعات، ضارباً عرض الحائط بالتفعيلة والعروض وكل ما هو تقليل من شأن اللغة بقوالب جامدة، وكان يجد دائماً تشكيلات وصياغات جديدة تمكنه من أن يتطور ويضع بصمة مضافة إلى بصمات سبقته، كان يؤمن بأن الشكل الشعري لا يمكن أن يكون وثناً لأن الأشكال لا تخلق الإنسان بل الإنسان يخلق أشكاله».

نزار أرّخ لدمشق
ومن جانبه أضاء الأديب والموثق شمس الدين العجلاني في كلمته التي جاءت بعنوان: «أوراق منسية في حياة نزار قباني» على حياة نزار وهي حياة رجل أرّخ لدمشق، وجعل مآذنها وحمائمها، وحاراتها، وزواريبها، تطوف في كل أنحاء العالم، لتنثر عطر الياسمين الدمشقي على مساحة المعقول وغير المعقول، حياة نزار قباني هي حياة الولد المشاغب الذي كان دائم اللعب بالنار، وطفلاً مشاكساً لم يترك عشاً للدبابير إلا وأضرم النار فيه، فأشعل الحرائق التي لم ينطفئ لهيبها حتى الآن».
وأضاف العجلاني «ومنذ خط شاعر دمشق نزار قباني كلمته الأولى في درب الشعر وهو في صراع مع الجهل والتخلف والعقول المتحجرة» مبيناً أن «نزار لم يهج حاكماً عربياً بحد ذاته إلا حكام المشيخات النفطية حيث قال: «تمرغ.. يا أمير النفط فوق وحول لذاتك.. كممسحة.. تمرغ في ضلالاتك.. لك البترول.. فاعصره.. على قدمي خليلاتك.. كهوف الليل في باريس.. قد قتلت مروءاتك».

حمل هموم المرأة
وبالمقابل رأى الدكتور وائل بركات في محوره الذي جاء بعنوان: «الأبعاد الشعرية في شعر نزار قباني» أنه: «لم يقترن اسم شاعر عربي بالمرأة وبرموزها ودلالاتها كما اقترن اسم نزار قباني، ولم يحمل شاعر هموم المرأة وهواجسها وقضاياها مثلما فعل نزار، فإذا كانت بالنسبة إليه الجمال ورمزه، الكون وأسراره، فإنها بالمقابل صورة للظلم التاريخي وجوهرٌ له»، مضيفاً «لاشك أن نزار أزاح عن المرأة حجبا ظلت قابعة تحتها قروناً من الزمن، وأطلقها في شعره وليس في الواقع، أنثى تعلن أكثر مما تبطن، وأفسح لها مساحة من الحرية لا عهد للشعر العربي بها سابقاً، وجعل من إنصافها، وإن لم تنصف إلا قليلاً، معركته الجوهرية وقضيته الدائمة».
وبين بركات أن نزار بإدمانه حديث عشق المرأة خصص جزءاً مهماً في قصائده للأم بصورة مباشرة مثلما فعل في قصيدة «خمس رسائل إلى أمي» لكنه بثها مبطنة وفي كثير من قصائده التي تحدثت عن المرأة أظهرها أماً أو حبيبةً أو عشيقةً أو جسداً أو مشاعر، أنها حاضرة وملازمة لقصيدته».

شاعر قضية
أما الباحث الدكتور إسماعيل مروة الذي أدار الندوة فقدم محوراً بعنوان «نزار قباني وشعر القضايا»، أشار خلاله إلى أن: «نزار لم يقل شعر الغزل بل شعر القضايا، لم يضع امرأة يتغزل بها، فهو يعلّم المرأة كيف تتجمّل لذاتها وكيف تتجمّل لمن تحب»، مضيفاً إن «الكثير من النقاد الذين يتمتعون بالنفس اليساري أو الماركسي يقولون إن نزاراً قّزم المرأة، والذين ينظرون إلى نزار نظرة أخلاقية يقولون نزار أعطى المرأة وسمح لها بالتحدث والحقيقة ليست كذلك، نزار كان شاعر قضية يريد للمرأة أن تحب ولكن ليس بالدراهم، أن تحب بقرارها لأن الحب مقدس لا أن تبيع الجسد من أجل مال أو منصب أو مكانة ولا من أجل أي شيء، هذا نزار ولو عدنا إلى مجمل أشعاره فسنجده كذلك».
وفي ختام الندوة فُتح الباب للمداخلات وقدم الدكتور محمود السيد مداخلة أكد فيها أن نزار قباني قامة إبداعية شامخة اتسمت بالفكر المستنير وحظيت بشهرة واسعة على نطاق الأمة العربية، نتيجة لأسلوب الشاعر القائم على السهل الممتنع ومحاربة الفكر الظلامي المتخلف إضافة للقضايا التي تناولها من المرأة والوطن والعروبة مع تركيزه الدائم على القضية الفلسطينية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن