إرادة الحياة!
محمد أحمد خبازي
وأنتَ بين الناس، تسمع آراء غريبة، في العدوان الأميركي الأخير على مطار الشعيرات في ريف حمص، وتستغرب فعلاً كيف يمكن لمواطن عادي، أو بائع خضر في سوق شعبية، أن يمتلك من الحسِّ الوطني ما يفتقده بعض النخب من المثقفين الذين كانوا يصدعون رؤوسَنا بطروحاتهم الفكرية وتنظيراتهم الوطنية وآرائهم السياسية التي كانت تتسم بالغيرية على الوطن وبناه التحتية ومنشآته الاستراتيجية؟
لم يعد الغلاء الفاحش، ولا الظروف المعيشية الصعبة، ولا التعديل الوزاري الأخير، ولا ارتفاع فواتير الكهرباء رغم التقنين الطويل، ولا مشكلات النقل ولا رداءة رغيف الخبز الذي تنتجه بعض المخابز العامة، هي الشغل الشاغل للناس، ولا الاهتمام الأول في حياتهم، لقد أردفوا ذلك كلَّه وراء ظهورهم، وتناسوه، أو نسوه لا فرق، رغم أهميته الكبيرة في حياتهم اليومية، عندما أصبح الوطن في دائرة الخطر والهمجية الأميركية.
لقد تناسوا معاناتهم الصغيرة أمام معاناة الوطن الكبيرة، ولسان حالهم يقول: «كل شيء يهون مهما يكن صعباً كرمى لعيون سورية».
وتلمحُ في آرائهم واستهجانهم للعدوان الأميركي ومسانديه والراغبين فيه والمطبلين له والداعين إلى تكراره، ذلك النوع من التحدي الذي لا يتسم به إلا السوريون الوطنيون الشرفاء، الذين لا تعنيهم حسابات الموالاة والمعارضة، ولا يفكرون بالطريقة التي يفكر بها بعض النخب الثقافية ممن ارتهنوا للدولار وباعوا أنفسهم بـ«ـثلاثين من الفضة» لأعداء وطنهم، وأمسى الوطن عندهم فندقاً فقط!
وأنتَ بين الناس تلمح إرادة الحياة، والإصرار على المقاومة حتى الرمق الأخير، رغم معرفتهم أن قوتهم قد لا تشكِّلُ شيئاً في ميزان القوى العسكرية أمام الغطرسة الأميركية.
تلمح عزة السوريين الذين لم تستطع تلك الحرب الهمجية التي تُشنُّ على بلدهم منذ العام 2011 أن تنال منها، أو أن تمسَّ من أنفتهم وتحديهم، وقدرتهم على المقاومة. وشعب هذه حاله، كيف يُقهر؟ وكيف يمكن ألاَّ ينتصر؟