قضايا وآراء

«داعش» وهجمات سيناء.. إرهاب في خدمة إسرائيل

مأمون الحسيني : 

 

قبل يومين من الهجوم الإرهابي الأكبر الذي شنَه «داعش» ضد القوات المسلحة المصرية في سيناء، قام التنظيم في محافظة حلب بتعيين اثنين من التيار السلفي الغزَي على رأس «ولايته» في المحافظة، وأتبع ذلك بإصدار بيان مرئي ظهر فيه بعض قادة التنظيم، وهم يهددون حركة «حماس» التي سبق أن قامت باعتقال بعض السلفيين التكفيريين، ويتوعدون غزة بأنها ستصبح بحرا من الدماء والأشلاء على غرار ما حدث في مخيم اليرموك جنوب دمشق، قبل أشهر، عندما هاجمت مجموعات «داعش»، وحليفتها «النصرة» آنذاك، جماعة «حماس» المسماة «أكناف بيت المقدس»، ما عنى للكثيرين بأن ما يجري في سيناء أكبر من مجرد ردود أفعال أو مناوشات طارئة، وأن ثمة رابطا قوياً ما بين هذه الهجمات المنسَقة الضخمة التي شنَها عناصر ما يسمى «ولاية سيناء» التابعة لـ«داعش» ضد مواقع وكمائن الجيش المصري لفرض السيطرة الكاملة على شمال شرق المحافظة، من جهة، وبين إدخال قطاع غزة الذي تشكل سيناء جواره الجغرافي البري الوحيد، وبزعم دعم وإسناد وإمداد سلفيي القطاع، في عين العاصفة، من جهة ثانية.
وإذا كنا لا نقلل من شأن بعض الخلافات، أقلَه في التكتيك والمصالح المباشرة، بين تنظيم «القاعدة» ومسمياته المختلفة، ومن ثم «داعش» وامتداداته التكفيرية، وبين بعض تيارات الإسلام السياسي الأخرى، بما فيها «الإخوان المسلمين» وفرعها الفلسطيني حركة «حماس» التي تنكر وجود أي شيء في قطاع غزة اسمه «داعش»، إلا أن ما حصل في سيناء، وبصرف النظر عن التضليل والتشويه الإعلامي الغربي والعربي، بتخطيطه وحجمه وتسليحه وتنوعه واستهدافاته، يدلل بوضوح على ضلوع جماعات وفصائل وقوى متعددة، إخوانية وغير إخوانية، في استهداف الجيش والدولة في مصر، كما يؤشر على أن دولا وازنة في المنطقة وخارجها تدعم وتساند وتسلَح هؤلاء القتلة الذين يقومون بدور البلدوزر في تدمير وتفتيت الجيوش والمجتمعات العربية بعد تجريدهم من انتمائهم القومي والاجتماعي والأخلاقي والإنساني، وتحويلهم إلى أدوات طيَعة في خدمة مشاريع جبهة الأعداء.
في هذا السياق، كان لافتا السعي الإسرائيلي، وتحت ذريعة تهديد إرهاب «داعش» للحدود الجنوبية للكيان الصهيوني، لاستغلال هجمات سيناء والتحريض على قطع كل أسباب الحياة عن أبناء غزة بزعم الخشية من وجود تعاون بين «داعش» و«حماس»، ولاسيما في مسائل تهريب السلاح، ومعالجة جرحى التنظيمات السلفية من سيناء في مستشفيات غزة (!) وذلك رغم علم الجميع بأن معارك «داعش» ضد الجيش المصري ومحاولة جرَه إلى حرب استنزاف على غرار ما يجري في سورية والعراق هو هدف إسرائيلي شبه معلن، وأن تمدد هذا التنظيم باتجاه غزة يحقق أرباحا صافية للاحتلال الإسرائيلي الذي سيضم إلى رصيده المتأتي من الإرهاب الذي يجول في المنطقة، قيمة مضافة تبرر حصاره وحربه المتواصلة على القطاع، وتنوب عنه في استنزاف فصائل المقاومة الفلسطينية التي تعتبر بنظر هؤلاء المرتزقة التكفيريين «كافرة ومرتدة ومارقة» يجب قتالها وسحقها.
ولأن إسرائيل، في التحليل والواقع والملموس، هي الشريك الأساسي للأميركيين في قيادة أوركسترا الإرهاب الداعشي وسواه في المنطقة، فقد كان من الطبيعي، ليس فقط ألا يطلق الإرهابيون الذين حملوا اسم «أنصار بيت المقدس» قبل أن يتحوَلوا إلى «ولاية سيناء»، رصاصة واحدة باتجاه الجنود الصهاينة الذين هم في مرمى الاستهداف، وإنما أيضاً سعي هؤلاء الإرهابيين إلى الاستيلاء على منطقة الشيخ زويد في شمال شرق سيناء، وعزل رفح عن العريش، ما يعزز المخاوف من أن الهدف السياسي البعيد لـ«داعش» هو محاولة فصل شمال شرقي سيناء من رفح حتى العريش مروراً بالشيخ زويد عن سيناء نفسها وعن مصر، وترجمة المخطط الإسرائيلي المعلن منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، بتوسيع قطاع غزة نحو الغرب، وإقامة الإمارة أو الدولة الفلسطينية عليها بدلاً من دولة الضفة والقدس وقطاع غزة التي يناضل الفلسطينيون من أجل بنائها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن