رسخ حياته للتعبير عن التجربة الفلسطينية المريرة … أحمد دحبور.. آمن بالكتابة كرسالة والتزام للدفاع والذود عن قضايا شعبه الوطنية
| وائل العدس
توفي السبت الماضي الشاعر الفلسطيني أحمد دحبور عن عمر يناهز (72 عاماً) في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، بعد صراعه مع المرض، وهو شاعر وناقد وباحث وموسوعي وقارئ جاد وسياسي ومثقف واسع الاطلاع.
وقالت وزارة الثقافة الفلسطينية في بيان صحفي: «بمزيد من الحزن والأسى، ننعى القامة الإبداعية الكبيرة، الشاعر أحمد دحبور، الذي وافته المنية في مدينة رام الله، بعد ظهر اليوم»، معتبرة «رحيله خسارة كبيرة على المستويات الوطنية، والثقافية الإبداعية، والإنسانية».
وشددت الوزارة على أنه «برحيل دحبور تفقد فلسطين ليس فقط واحداً من عمالقة الأدب والإبداع الفلسطيني، بل بوصلة كانت حتى اللحظات الأخيرة تؤشر إلى فلسطين، وأيقونة لطالما كانت ملهمة للكثير من أبناء شعبنا في مختلف أماكن إقامتهم، وفي مختلف المفاصل التاريخية الوطنية، هو الذي كان بكلمات أشعاره يعكس العنفوان والكبرياء الفلسطيني، وخاصة في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وبقي حتى رحيله المفجع».
وجاء في البيان: «إنه من الصعب بمكان سد الفراغ الذي سيتركه صاحب الكثير من الأغنيات التي كان الوطن جوهرها، وسكنها النضال من أجل الحرية مع كل حرف من كلماتها وعباراتها، ففلسطين في أغنيات دحبور أهم من الحزب والانتماءات الضيفة، وهي التي سكنها في سني عمره الأخيرة، فكان «العائد إلى حيفا» ولو لساعات بين فترة وأخرى».
وأكدت الوزارة «أنها كانت وستبقى الحريصة على تعميم إرث دحبور الشعري والنثري»، مختتمة بيانها بالتأكيد «لو رحل دحبور جسداً تبقى كلماته حية في وجدان الشعب الفلسطيني بأجياله المتعاقبة».
التجربة المريرة
ويعد دحبور أحد أعمدة الثقافة الفلسطينية بالنظر إلى ثراء مسيرته الأدبية والوطنية، وولد في مدينة حيفا عام 1948، ولجأ مع ذويه إلى لبنان ومنها إلى سورية، ونشأ ودرس في مخيم حمص للاجئين الفلسطينيين، وانخرط في صفوف الثورة الفلسطينية ضد الصهاينة.
لم يتلق تعليماً كافياً لكنه قارئ نهم وتواق للمعرفة فصقل موهبته الشعرية بقراءة عيون الشعر العربي قديمه وحديثه، ورسخ حياته للتعبير عن التجربة الفلسطينية المريرة، وعمل مديراً لتحرير مجلة «لوتس» حتى عام 1988، ومديراً عاماً لدائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعضواً في اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين.
إن إبداعاته تعود إلى تجاربه الحياتية الغنية التي اتسمت به شخصيته الأدبية، فحياة الغربة والبعد عن الوطن عمقت تفاعله مع الحياة وأمدته بإحساس قوي ورؤية صادقة لها، وبنفس تواقة للصدق والمحبة العارمة والعشق الدائم للوطن ولحيفا وبحرها وللمخيم والإنسانية المعذبة.
عاصر المأساة الفلسطينية وعاش رحلة العذاب الفلسطيني بكل خلجة شعورية من خلجات قلبه، وتقطع ألماً ومرارة، ونما في داخله الشعور الوطني والروح القتالية، فأسهم بقلمه وفكره في النضال الوطني التحرري وفي الثورة الفلسطينية، وشكلت قصائده سلاحاً ثورياً وزاداً روحياً للمقاتلين والمدافعين عن القضية.
ويكتب ليس حباً في الكتابة فحسب، وإنما يؤمن بالكتابة كرسالة والتزام للدفاع والذود عن قضايا شعبه الوطنية وسلاح ثقافي بتار في معارك التحرير والاستقلال، وهو كشاعر ثوري ملتزم يرى في القصيدة جسداً كاملاً ومزيجاً بين لغة الحلم ولغة الواقع.
وهو شاعر أصيل ملتزم يتصف شعره بالصفاء والعذوبة والصدق وبالحب العميق للإنسان فوق كل أرض، وتمجيد الإرادة الفلسطينية الحقيقية والروح الوثابة الطموحة الباحثة عن الخبز والفرح والمتعطشة للحرية والمستقبل المشرق.
ثماني مجموعات
أصدر دحبور ثماني مجموعات شعرية هي «الضواري وعيون الأطفال» عام 1964، و«حكاية الولد الفلسطيني» 1971، و«طائر الوحدات» 1973، و«بغير هذا جئت» 1977، و«اختلاط الليل والنهار «1979، و«واحد وعشرون بحراً» 1981، و«شهادة بالأصابع الخمس، و«ديوان أحمد دحبور» 1983.
ولا يزال الكثير من الأغنيات التي كتب كلماتها تتردد في العديد من المناسبات الوطنية الفلسطينية ومنها «اشهد يا عالم»، و«عوفر والمسكوبية»، و«يا شعبي يا عود الند»، و«والله لأزرعك بالدار»، و«يا بنت قولي لأمك»، و«غزة والضفة»، و«صبرا وشاتيلا» وغيرها.
وحاز دحبور جائزة توفيق زياد في الشعر عام 1998، ويذكر أنه كتب العديد من أشعار فرقة الأغاني الشعبية الفلسطينية «العاشقين».