«ترامب غيت»!
| عبد المنعم علي عيسى
تتوارد الأخبار الآتية من بلاد العم سام وهي تحمل في ثناياها جنين فضيحة كبرى فيما لو توافرت لها عوامل الدفع ومصالح المستفيدين اللازمين لوصولها إلى خواتيمها «المسك» بغض النظر عما يمكن أن تتركه من تداعيات على الهيبة الأميركية أو على نظامها المثقل بالحريات والشفافية، وكذا المثقل بشتى أنواع القوة التي لم تبلغها أي إمبراطورية أخرى من ذي قبل، جنين الفضيحة النامي في الرحم الأميركية يفترض وجود دور روسي مؤثر- ومباشر- على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة التي حملت دونالد ترامب إلى سدة السلطة في واشنطن، وما يثير الاستغراب هو ذلك الزخم الهائل الذي تحظى به تلك الفرضية على الرغم من أن المآلات التي يمكن أن ينتهي إليها سوف تكون لها بصمات وعلامات لا تزول تماماً كما يفعل وباءا الجدري أو الحصبة، والأمران سيان سواء أثبت وجود دور روسي أم تمّ نفيه، فذاك أمر لن تحسمه التحقيقات أو المحاكم الدستورية العليا وما سيحسمه هو الميزان السياسي الذي سيشير في مرحلة ما إلى رجحان كفة البيت الأبيض على كفة المؤسسة الحاكمة الأميركية أو يشير إلى العكس.
في التاريخ الأميركي الحديث العديد من الفضائح التي نجح بعضها في الإطاحة برأس السلطة مثلما فعلت فضيحة «ووتر غيت 1974» التي فرضت على ريتشارد نيكسون الاستقالة، على حين تمّ طي بعضها الآخر بفعل توازن قوى أميركي داخلي مثلما كانت فضيحة «مونيكا لوينسكي 1997» التي هددت عرش بيل كلينتون، إلا أن كلتا الفضيحتين ذات منشأ داخلي بمعنى أن منبعهما ومصبّهما هو في الداخل الأميركي بعكس الحال التي يشهدها هذا الأخير عبر تداعيات «ترامب غيت» فجذور هذي الفضيحة الأخيرة ذات منشأ خارجي من شأنه أن يصيب البنيان الأميركي برمته في مقتل، وظروف تصاعد الأزمة ونموها تكاد تكون مثلى وما يتبقى هو وجود القرار لدى طرفي الصراع بالتصعيد وهو أمر يتوقف على المآل الذي سينتهي إليه ذلك الصراع بين ترامب ومؤسسات الدولة الحاكمة وهو لا يعدو أن يكون إلا أحد مآلين اثنين أولهما أن يكون التصعيد هو الراسم لمآله أو أن يتم طي الملف كله «تحت اللحاف» بذرائع مساسه بالأمن القومي الأميركي وبالمصداقية الأميركية التي تعتبر علامة ماركة مسجلة.
من الجائز القول إن التناقض الكبير الذي يحفر عميقاً في التجربة الأميركية هو نفسه الذي لم يستطع الاتحاد السوفييتي حلّه فكان فيه سقوطه، وهو يتمثل بعدم قدرة البنى الفوقية للدولة على مواكبة التطور الحاصل في البنى التحتية لها حيث من شأن اتساع الهوة بينهما أن يشكل تهديداً كبيراً للنظام السياسي قد يظهر عبر العديد من المظاهر أو القوالب.