ثقافة وفن

العبر أولاً

| د. اسكندر لوقــا

حتى يتجنب أحدنا الوقوع في الخطيئة لا الخطأ فحسب، مفيد أن يقرأ التاريخ ويأخذ منه العبر. إن ثمة العديد من الناس يقرؤون التاريخ من دون أن يفيدوا من تبعاته على مدى الأيام، فيكون سقوطهم في الخطيئة لا الخطأ فحسب بمقدار ما يتخطون دروسه.
في السياق المتصل، يقول ويل ديورنت مؤلف كتاب قصة الحضارة: إن ليس ثمة شيء أسرع تصحيحا لسلوك الناس من معرفة الماضي وإن خير تعليم وإعداد للحياة السياسية النشطة هو دراسة التاريخ لأنه وحده الذي ينضج عقولنا ويهيئنا للنظر إلى الأشياء نظرة صحيحة مهما تكن الأزمات أو سير الحوادث.
ويفهم من هذا القول إن الماضي مخزون معرفة لا كما يقال إن ما مضى قد مضى. ولأن هذا المخزون مملوء بالعبر، فمن أولويات السعي لمعرفة ما يجري اليوم، العودة إلى التاريخ دراسة لا قراءة فقط على غرار الواجبات التي تترتب على الطلبة في مراحل دراساتهم.
إن فهم التاريخ ودراسته شيء وقراءته شيء آخر. وفي تاريخ الأمة العربية الحديث، بشكل خاص، أمثلة على ضياع الفرص التي كان يمكن أن تعيد إليها ألقها في الزمن الراهن، ومن ذلك – على سبيل المثال – عرب ملوك الطوائف، الذين أضاعوا من أيديهم الأندلس وتشتتوا فرقا، وأفسحوا المكان لخصومهم الذين كانوا يجاهدون وصولا إلى جعل العرب أعراباً، على غرار ما نراه اليوم، في الوقت الذي يسلم البعض من هؤلاء الأعراب مقاليد سلطتهم للأجانب، بذريعة التأييد أو الحماية وسوى ذلك.
إن قصة الأندلس وحدها تشكل كمّا من العبر التي يتخطاها عرب القرن الحادي والعشرين، وفي اعتقادهم أن الأجنبي أحرص منهم على مصالح أوطانهم، ولا يأخذون العبر من تاريخ أسلافهم الذين ضاعوا وضيعوا معهم قضايا أمتهم وصولا إلى يوم تآمر بعضهم على بعضهم الآخر وكأن التاريخ لديهم مجرد حكاية لا تعني شيئاً أكثر من إضاعة الوقت.
بذلك يفقد التاريخ لدى أمثالهم قيمته وبذلك يفقد دوره في إنقاذ سمعة ما تبقى من تاريخ أمتنا على سطح الأرض العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن