شؤون محلية

القضاء سلطة أم مؤسسة؟

| نبيل الملاح

كنت قد كتبت ثلاث مقالات بعنوان «العدالة بين سلطة القاضي وممارسة المحامي» وحيث إن القضاء هو ملاذنا جميعاً حكاماً ومحكومين، ومن خلاله نصل إلى الحق والعدل الذي من دونه لن تستقيم الحياة، ومن دونه لن تبنى دولة ومؤسسات.
ويسأل البعض: هل القضاء سلطة أو مؤسسة؟ وأعتقد أن القضاء هو في الأساس مؤسسة من مؤسسات الدولة؛ لكنها المؤسسة الرافعة لجميع مؤسسات الدولة الأخرى، فهي التي تحمي المواطنين وتعيد لهم حقوقهم المسلوبة، وهي التي تحمي الأموال والممتلكات العامة وتقتص من الذين يعبثون بها، وهي التي تسهر على تطبيق القوانين والأنظمة التي تقرها السلطة التشريعية، وهي التي تصوب أداء السلطة التنفيذية عندما ينحرف أحد أعضائها ويتجاوز الأنظمة والقوانين؛ فالسلطة التشريعية (مجلس الشعب) المسؤولة دستورياً عن مراقبة أداء السلطة التنفيذية ومحاسبتها لابد لها من إحالة المسؤولين المسيئين والمتجاوزين والمقصرين إلى القضاء لإنفاذ العدالة وحكم القانون.
وبالتأكيد فإن اعتبار القضاء مؤسسة، لا ينقص من شأنه أبداً، فالمؤسسات هي عنوان بناء الدولة والحكم الرشيد، وهي التعبير الأهم عن نظام الحكم المدني الديمقراطي.. والقضاء بهذا المفهوم هو سلطة كالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية؛ بل هو أهم سلطة من هذه السلطات لأنه الحامي والضامن لتطبيق القانون وإنفاذ أحكامه. لكنها سلطة مستقلة لا يجوز للسلطات الأخرى التدخل بأحكامها ومحاكمها والتداخل مع قضاتها والضغط عليهم لإصدار أحكام تخالف القانون ولا تقيم الحق والعدل. وهذا لا يعني أن هذه السلطة هي سلطة مطلقة لكل قاضٍ، فالسلطة من أساسها هي لمؤسسة القضاء، حيث إن الدستور نص على أن السلطة القضائية مستقلة، ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال، يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى، كما نص الدستور على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون.
ومن هذا المنطلق يجب على مجلس القضاء الأعلى العمل على إيجاد الصيغ والآليات الناجعة لضمان استقلال القضاء، وفي الوقت نفسه مراقبة أداء القضاة ومحاسبة المسيئين منهم ورفع الحصانة عنهم وإحالتهم إلى المحاكمة مثلهم مثل أي مواطن ارتكب جريمة وتجاوز القانون؛ بل يجب التشدد أكثر تجاه القاضي المرتكب لأن المعني بتطبيق العدالة.
وعلينا أن ندرك أن القضاة بشر والبشر خطاؤون بطبيعتهم، وهم ليسوا ملائكة أو قديسين، وإن كنا نتمنى أن يكونوا أقرب ما يمكن إلى هؤلاء.
ولابد من التعاون بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية لوضع وتطوير القوانين وصياغتها بشكل صحيح ودقيق منعاً للالتباس والغموض في نصوصها، وعدم ترك المجال للتفسيرات والاجتهادات التي تأتي خلافاً لغاية وقصد المشرع.
وحبذا لو يضع مجلس القضاء الأعلى الضوابط اللازمة لـ«التفسير القضائي» للنصوص القانونية، وعدم ترك ذلك مفتوحاً ومتاحاً لجميع القضاة في مختلف المستويات.
إن التفسير القضائي يجب ألا يخرج عن غاية وقصد المشرع، ويجب أن يصدر عن جهة قضائية مؤهلة لمحكمة النقض وإدارة التشريع لدى وزارة العدل، ولا يجوز أن يتم من قاض مبتدئ لم يكتسب بعد العلم والخبرة التي تؤهله للقيام بذلك. وهنا يقول البعض إنه في حال قيام القاضي بتفسير خاطئ للقانون، يمكن تداركه بالاستئناف أو النقض، وأنا أقول: أليس في ذلك إطالة لأمد التقاضي وإهدار للحقوق بمرور الزمن؟ أليس من الأفضل وضع الآليات والصيغ المناسبة للرجوع إلى إدارة التشريع لتفسير النصوص القانوني الغامضة والملتبسة؟ وأضيف: هل القاضي الذي يرتكب خطأً مهنياً جسيماً أكثر من مرة يصلح أن يكون قاضياً؟
أعود وأؤكد أن القضاء مؤسسة وسلطة بآن واحد، علينا جميعاً الاهتمام بها وإعطاؤها المكانة التي تستحقها لتتمكن من القيام بدورها في بناء الدولة وحماية المجتمع.
وفي الوقت نفسه، لابد من إزالة الشوائب التي لحقت بالقضاء وأساءت إلى سمعته.
باحث ووزيرسابق

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن