بيع 200 ألف طن قمح لشركة خاصة رغم اقتراح وزارة المالية نقلها إلى المحافظات الأخرى بدلاً من بيعها!
| الحسكة- دحام السلطان
ها هي قضية المخزون الإستراتيجي للقمح في محافظة الحسكة تعود من جديد، وترفض أن تُسدل الستارة على قصتها التي تأبى أن تنتهي، بعد أن أصبحت كقصة إبريق الزيت!
وقد سبق لـ«الوطن» أن سلطت الضوء عليها مرتين وفي مناسبتين مختلفتين خلال أيام الثلث الأخير من الشهر الفائت، والباقي والبقية يأتي اليوم بعد أن جاء مفصّلاً بكتاب رئاسة الحكومة رقم 4275/1 تاريخ 5/4/2017 الذي انطلق مسرعاً نحو وزارتي المالية والتجارة الداخلية وحماية المستهلك بجلسته المنعقدة بتاريخ 4/4/2017، والذي جاء معطوفاً على كتاب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رقم 177/ ص. خ تاريخ 16/3/2017 المتضمّن طلب الوزارة الموافقة على بيع فائض القمح من مخزون المادة لدى فرع المؤسسة العامة في مدينة القامشلي والبالغ 200 ألف طن إلى شركة تُدعى (الفهر أوف شور) وفقاً للأسعار المحددة في محضر الاجتماع الذي عُقد بتاريخ 14/3/2017، وعلى كتاب وزارة المالية رقم 4589/13/43 تاريخ 27/3/2017 المتضمّن اقتراحها نقل المخزون الفائض إلى محافظة دمشق أو المحافظات الأخرى بدلاً من بيعه، وهذا تحفّظ على البيع من طرف وزير المالية الذي طالب بالنقل وليس البيع! وبالنتيجة وبموجب كتاب رئاسة الحكومة قرر المجلس الموافقة على بيع الشركة المذكورة 200 ألف طن (+- 25%) من المخزون الفائض، شريطة تحمّل وزارة المالية العجز الناجم عن ذلك في الأسعار!
وبين مصدر مسؤول فضل عدم ذكر اسمه لـ«الوطن» أن وزارة المالية تفضل نقل المحصول من الحسكة إلى محافظات أخرى ووضعه في الاستهلاك المحلي، إلا أن صعوبة النقل وارتفاع تكاليفه بشكل كبير والخوف من تلف المحاصيل المخزنة دفع نحو الموافقة على بيع المحصول.
وبالنظر إلى كتاب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الموجّه إلى رئاسة الحكومة، وبعيداً عن الخوض والغوص في العملية المدوّنة فيه التي تخص تسعير القمح بنوعيه القاسي والطري وبدرجاته الشرائحية الأولى والثانية والثالثة والرابعة التي تتراوح أسعارها بالسقفين الأعلى والأدنى، ما بين المئة ألف والـ 7 آلاف ليرة سورية ونزولاً إلى الـ97 ألف ليرة سورية! إضافة إلى تحمّل وزارة المالية العجز الناجم عن السعر أسوة بحجم العجز الذي تتحمله تجاه رغيف الخبز المدعوم للمواطن، نحو الشركة المدللة التي رست عليها الصفقة!
فالمسألة هنا وبمعناها المجرّد، ليست مسألة بيع وشراء ومضاربة أسعار وعروض بنكية وشركات وتجار وسوى ذلك من مواصفات محترفي اللعب بالبيضة والحجر! لأنها ليست موضوعنا وهناك جهات رقابية ووصائية معنية بهذا الموضوع المرتبط بالمال العام الذي يعني في المحصلة الدولة، إلا أن الأسعار المتفق عليها من المؤسسة العامة للحبوب أقل بكثير من الأسعار التأشيرية التي وضعتها الحكومة لمادة القمح والتي تُقدّر بـ125 ليرة؟ وهي رغم ذلك مرشّحة للارتفاع، فأين هي إذاً من رقم العرض المدعوم المقدّم للشركة المذكورة وإلى أقل من أسعار التكلفة للمخزون التي تصل إلى 134 ألفاً و221 ليرة للطن الواحد.
وقبل أن نأتي إلى الحقائق والمفارقات المدهشة والغريبة التي تدعو للوقوف عندها التي احتضنها كتاب الوزارة المعنية بالحبوب والتي تدعو للريبة من خلال الخوف على فائض مخازين القمح والتخلّص منه خوفاً من السرقة والنهب أو التلف، إضافة إلى الأعباء المادية المرتبطة بعمليات التخزين وصيانة المستودعات والحاجة الماسة لتأمين مادة القمح في باقي المحافظات المستهلكة، ما يقودنا إلى التساؤل، هل هناك فائض مخازين في المحافظة فعلاً إن كانت عملية البيع ستستهدف نصف ما هو موجود من المخازين؟
ثم مسألة التخلّص هذه: هل تعني التهرّب من المسؤولية والواجبات المنوطة بالمؤسسة وطاقمها الإداري والتقني التخصصي؟ والتخلّص من المخازين بأي طريقة وبأبخس الأثمان! ثم هل لحظت المؤسسة والوزارة التابعة لها فروقات أسعار عمليات التخزين وصيانة المستودعات في سعر البيع؟ وهل دفعها إحساسها بالمسؤولية نحو حاجة المحافظات المستهلكة من المادة لأن تبيع بسعر وبشكل رضائي لشركة بعينها، ومن ثم تقوم وربما بشرائه من الشركة نفسها لتغطي حاجة الانفاق الاستهلاكي في المحافظات الأخرى!
وهنا لا بد من التوضيح: إن عمليات النهب والسرقة التي تم التطبيل والتزمير لها مطوّلاً، لم تحصل في أي مركز من مراكز مدينة القامشلي الموجودة في مركزي (جرمز والثروة الحيوانية)، باعتبار أن كلا المركزين موجود ضمن حماية الجيش العربي السوري وداخل حرم أسوار المنيعة!
ثم أليس من الغرابة أن نتكهّن وننجّم حول إنتاج الموسم المقبل الذي لم يحن حصاده بعد مثلما أورد الوزير في حديثه السابق لـ«الوطن»: إن إنتاج موسم 2017 سيصل إلى نحو الـ500 ألف طن ما يعني أن المخزون مع نهاية الموسم سيصل إلى نحو 950 ألف طن، على حين إن استهلاك المحافظة من القمح يبلغ 150 ألف طن ما يؤدي إلى وجود فائض كبير معرّض إلى خطر السرقة!
في الوقت الذي تشير فيه الدلائل، وهذا كله في علم الغيب على أن موسم العام الجاري سيكون إنتاجه أقل بكثير من إنتاج الموسم الماضي الذي استقبلت فيه مراكز الحسكة 430 ألف طن فقط، قياساً إلى كميات الهطلات المطرية التي لم تصل إلى الكميات التي هطلت العام الماضي، إضافة إلى تقلّص حجم المساحات المزروعة بالقمح عن العام الماضي بعد زحف زراعة المحاصيل الطبية والعطرية وسيطرتها على مساحات أوسع على حساب محصولي القمح والشعير في آن معاً!
وهنا لا بد من الإشارة إلى كل من يهمه أمر المواطن في البلد، إلى إيقاف جريمة التفريط بمخازين القمح التي نحن اليوم أحوج إليها أكثر من أي وقت مضى، لأن حاجة المحافظة من رغيف الخبز تتراوح بين 160- 170 ألف طن من القمح لزوم المطاحن، ومن ثم فإن المخازين الباقية إن تمت صفقة البيع لا تكفي إلا لعشرة أشهر فقط.