«غزوة توماهوك» على الشعيرات ليست سوى امتداد لـ«غزوة جبل الثردة» … واشنطن تطبق إستراتيجية فصل المسارح.. ودير الزور في خطر
| عبد اللـه علي
لا جديد في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبصرف النظر عن الزوبعة التي أثارتها «غزوة توماهوك» ضد مطار الشعيرات وأدّت إلى الكثير من البلبلة والإرباك في قراءتها واستخلاص مدلولاتها وأبعادها، فإن الواضح الذي لاشك فيه هو أن «العم سام» ما زال هو هو بنفس العقلية ونفس الطباع، ويطبق الإستراتيجية ذاتها التي لا يحيد عنها سواء كان من يسكن في البيت الأبيض باراك أوباما أو ترامب أم غيرهما.
ومما له دلالته، أن ترامب بعد كل المساعي التي بذلها أثناء حملته الانتخابية وفي الأسابيع الأولى من عهده، بهدف التميز عن سلفه أوباما وإظهار أنه سيتبع إستراتيجيات جديدة على جميع الصعد الاقتصادية والصحية وصولاً إلى السياسية والعسكرية، سرعان ما أخفق أو تعب أو استسلم واضطر أن يمدّ يديه إلى «الصندوق المظلم» الذي طالما نهل منه جميع الرؤساء الأميركيين من قبله، مستلهمين ما فيه من مخططات وإستراتيجيات من دون أن يكون لأي منهم دور في رسمها ووضعها.
قد يكون من الصعب والشائك تفنيد جميع الوعود التي أطلقها ترامب خلال حملته وإثبات أنه أخلّ هنا أو تنكّب هناك، لكن على الأقل أصبح لدينا دليل على ذلك فيما يتعلق بالأزمة السورية.
إذ يجري الحديث حالياً عن معركة مشتركة أردنية بريطانية أميركية من المتوقع إطلاقها قريباً في الجنوب السوري، ونقلاً عن مهند الطلاع قائد ميليشيا «مغاوير الثورة» المنشقة عن ميليشيا «جيش سورية الجديد» والمدعومة من الولايات المتحدة والغرب فقد «بدأ تحضير خطة بالتعاون مع التحالف الدولي لتحريك الجبهة الجنوبية وقتال داعش في موازاة المعركة المستمرة في المنطقة من قبل فصائل معارضة عدة»، مشيراً إلى أن «الخطة ستبدأ في المنطقة الجنوبية وتتجه نحو الشرقية والوسطى»، ونوه في هذا الصدد إلى أنه «يتم تجهيز قاعدة التنف القريبة من الحدود السورية الأردنية لتكون منطلقاً للعمليات المقبلة ضد داعش، على أن تبدأ فعلياً خلال فترة لا تتجاوز الشهر»، حسب قوله.
رغم عدم وجود إجابة دقيقة، لكن لا بد في هذا السياق من طرح التساؤل حول توقيت العدوان الأميركي على مطار الشعيرات في هذا الوقت، بعد أن انسحب داعش من مساحات شاسعة من الشريط الحدودي مع الأردن، وبالتزامن مع التحضير لمعركة مشتركة سيكون هدفها الأول مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، فلا شك في أن العدوان على الشعيرات يتعلق في بعض جوانبه بتهيئة الأرضية المناسبة لإطلاق هذه المعركة ومنع الجيش السوري ليس من مراقبتها أو التشغيب عليها وحسب، بل ربما منعه من أن يكون له موطأ قدم في المنطقة الشرقية برمتها، وهو ما يستلزم حرمانه من الغطاء الجوي الذي يؤمن له الحماية والإمداد في دير الزور، لأن أي وجود للجيش السوري في دير الزور، ومهما كان رمزياً، فإن من شأنه أن يشكل خطراً على الإستراتيجية الأميركية المرسومة للشرق السوري.
في هذا السياق يمكن القول بسهولة إن «غزوة توماهوك» ليست سوى امتداد لـ«غزوة جبل الثردة» التي قام بها الطيران الأميركي في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وأفضت إلى نتائج أكثر دموية مما حصل في مطار الشعيرات، والهدف من كلتا «الغزوتين» واحد هو إضعاف تواجد الجيش السوري في دير الزور تمهيداً لمحاولة إنهائه بالتدريج.
وهذه الخطة التي تحدث عنها مهند الطلاع، ليست وليدة اللحظة «الترامبية»، بل كما ذكرنا سابقاً هي من خطط «الصندوق المظلم» الجاهزة والمعدة للتنفيذ بغض النظر عمن يحكم واشنطن. وللتذكير فإن وزير الدفاع الأميركي السابق آشتون كارتر تحدث في شهر تموز من العام الماضي عن هذه المعركة وقال: «إن التحالف الذي تقوده الولايات المتّحدة، سيبحث فرص مهاجمة التنظيم المتشدّد في سورية من الجنوب، ما يمثّل توسيعاً للجهود العسكريّة الأميركيّة في هذا الجزء من البلاد».
وقال كارتر مخاطباً آنذاك القوّات الأميركيّة في فورت براغ في ولاية نورث كارولاينا: «سنبحث بقوّة فرص الضغط على داعش من الجنوب، تعزيزاً لجهودنا القائمة والقويّة».
وأضاف: «هذا بالطبع ستكون له فوائد إضافية، تتمثّل في مساعدة أمن شركائنا الأردنيين وفصل مسرح العمليّات في سورية عن مسرح العمليّات في العراق بشكل أكبر».
وإستراتيجية «فصل المسارح» التي أشار إليها كارتر هي في الواقع نفس الخطة التي يجري الحديث حالياً عن قرب تنفيذها بعد أن اكتملت التدريبات والتحضيرات للفصائل التي ستشارك بها واستمرت على مدى عام كامل، وتتطلب هذه الإستراتيجية كما هو واضح، السيطرة على الشريط الممتد من معبر التنف إلى مدينة البوكمال، على أن تستكمل «قوات سورية الديمقراطية» السيطرة على الأجزاء المتبقية من الشريط الحدودي بين سورية والعراق، وبذلك يتحقق «فصل المسارح».
لكن ينبغي أن يكون واضحاً أن هذا الفصل بين سورية والعراق، الذي تسعى إليه الولايات المتحدة وشركاؤها، ليست الغاية منه التضييق على تنظيم داعش وتقسيم مناطق سيطرته تمهيداً لحصاره وعزله، وإلا كان ينبغي أن يتم في بداية الحرب ضده وليس الآن بعد أن وصلت هذه الحرب إلى خواتيمها أو إلى فصولها الأسهل، بل الغاية الحقيقية هي قطع الحزام البري الذي يربط بين إيران ولبنان عبر سورية، فهذا الحزام هو الهاجس الأكبر الذي يشغل بال «التحالف الدولي» لأنه يشكل خط زلازل حقيقي وخطير لعدة أسباب بعضها يتعلق بالتواصل الجغرافي بين دول محور المقاومة، وبعضها الآخر يتعلق بالكيان الكردي المزمع إنشاؤه في شمال سورية، إضافة إلى كون المنطقة غنية بالنفط والغاز.
وقد لا يكون من قبيل المصادفة أن تهدد أنقرة بإطلاق معركة في منطقة سنجار العراقية المحاذية لهذه المناطق بهدف منع التواصل الجغرافي بين «حزب العمال الكردستاني» الذي يسيطر على سنجار، ومناطق «قوات سورية الديمقراطية» في سورية، لأن أنقرة أيضاً تشعر أنها مستهدفة من جراء هذه الإستراتيجية، لكنها ما تزال تراهن على أن توسلها للولايات المتحدة سيدرأ عنها بعض الأخطار.
هذا الحزام هو نفسه الذي يصوب عليه الأردن جيشاً وحكومة منذ مدة، ويعربان عن مخاوفهما من أن يؤدي قيامه إلى تحقيق «الهلال الشيعي»، وللمفارقة فقد سبق لرئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الأردنية الفريق الركن محمود فريحات أن أبدى اعتراضه على معارك «الحشد الشعبي» العراقي في محيط مدينة تلعفر بسبب مخاوفه من أن يكون الهدف هو إقامة هذا الحزام، علماً أن تلعفر تبعد عن الأردن أكثر من 400 كيلو متر.
وفي المحصلة، يبدو من الواضح أن الولايات المتحدة تطبق إستراتيجية واحدة بغض النظر عمن يحكمها، و«غزوة توماهوك» لم تكن حركة من خارج السياق، خاصة أن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على المنطقة الشرقية، لكن الأخطر من كل ذلك هو أن الجيش السوري في دير الزور سيكون أمام تحديات خطيرة لأنه سيتحمل العبء الأكبر من تداعيات إستراتيجية «فصل المسارح» التي تسعى واشنطن لتطبيقها.