تأثيــر الفراشـة
| مازن جبور
فجر الجمعة الماضي جاء العدوان الأميركي على قاعدة الشعيرات العسكرية ليمثل نقطة فارقة في الأزمة السورية وطبيعة الحرب على سورية مع الإدارة الأميركية الجديدة، وحيث إن واشنطن قررت مسبقاً القيام بهذا الفعل، ليعلن من خلاله الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة «أميركا قوية»، فإن دلائل ومؤشرات هذا الفعل ستترك وقعها على نقاط التصادم الكبرى في العالم.
ورغم أن هذا الاعتداء الأميركي على سورية، سبقه اعتداءات على جبل الثردة قرب مطار دير الزور في أيلول الماضي، إضافة إلى دعم الميليشيات المسلحة ميدانياً وسياسياً ومالياً، وإقامة قواعد عسكرية في شرق وشمال شرق سورية، والتي تعتبر جميعها اعتداءات على دولة عضو في الأمم المتحدة ذات سيادة، إلا أن الاعتداء الجديد لا بد أن له ما بعده من تطورات غير محتملة، بحكم تعقيد المشهد وخطورة الذهاب إلى مواجهة مع سورية وحلفائها.
نظرية «تأثير الفراشة» هي جزء من «نظرية الفوضى» (chaos theory) وفحواها أن هنالك مجموعة كبيرة من الأحداث العشوائية التي تحدث في الكون ونعتقد أنها غير مترابطة، لكن في النهاية عند تجميع الأحداث العشوائية نصل إلى حقيقة أن العشوائيات ترتبط برابط غامض يجعلها غير عشوائية في باطنها أما ظاهرها فيظهر كـأنها أحداث عشوائية من أنظمة منفصلة لا تترابط.
«تأثير الفراشة»، أو (the butterfly effect) هي نظرية فلسفية فيزيائية لتفسير ظواهر الترابطات والتأثيرات المتبادلة، والتي تصف كيف يمكن لتغييرات صغيرة أولية أن تحدث فروقاً كبيرة في المسار النهائي للأشياء والمصطلح أتى من المثال الشهير بأن طنطنة جناح فراشة في البرازيل يمكن أن يتسبب بإعصار في تكساس بعدها بأسابيع قليلة عوضاً عن طقس هادئ، ما يعني أن التغيرات البسيطة في أي شيء سيكون لها تأثير كبير في النهاية.
مضمون نظرية «تأثير الفراشة» لا يقتصر على الفيزياء فحسب، بل ينسحب على العديد من مجالات الحياة، فمثلاً علم الاقتصاد يأخذ بالاعتبار نظرية «تأثير الفراشة»، فأي تغير بسيط في أي شيء قد يكون سبباً في ارتفاع الأسهم وزيادة الأسعار أو العكس.
وإذا كان ما جرى ويجري في منطقة الشرق الأوسط، حيث القتل والاستبداد على قدمٍ وساق يفسر بتطبيق «نظرية الفوضى» في المنطقة من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، ذلك أن المنطقة كانت تنعم بالأمان النسبي، وما لبثت أن فتكت بها الفتن والحروب من دون سابق إنذار، فإن مبدأ «قدرة الدعم» يرتبط بهذه النظرية، فأي اقتصادٍ لا بد أن يقوم على بنية طبيعية (Natural Structure)، وبنية مادية مصنوعة (Infrastructure)، وبنية فوقية إنسانية تتكون من العقول البشرية.
من هنا تأتي مسألة السحب الجائر للموارد الطبيعية من المنطقة التي يتبعها الغرب، حيث لم تتمكن تكنولوجيا البدائل من توفير أكثر من 25% مما تحتاجه الاقتصادات المتطورة، ما يعني أن الصراع على الموارد سيشتد، وها نحن نشهد عواقبه على شكل حروب ومجاعات وتنافس على الموارد. من خلال ما سبق يمكن النظر إلى التطورات الأخيرة في الأزمة السورية والتموضع العسكري الأميركي في هذه الأزمة على أنه محاولات لواشنطن لفرض سيطرة مباشرة وغير مباشرة على جنوب وشرق وشمال شرق سورية حيث النفط وطرق عبوره، وحيث الخاصرة اللينة لارتكاز أوراسيا قلب العالم وخزانه الاحتياطي الرئيسي للنفط.
وبالعودة إلى نظرية «تأثير الفراشة»، فإن ما صدر عن اجتماع مجموعة الدول السبع الكبرى في إيطاليا وطلبات كبت النفوذ الروسي التي سيحملها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى موسكو، إضافة إلى إرسال واشنطن سفن حربية هجومية من سنغافورة إلى غرب المحيط الهادي قرب شبه الجزيرة الكورية، قد يكون له «تأثير الفراشة» التي بدأت طنينها بالعدوان على الشعيرات.