شؤون محلية

أين المحاسبة..؟!

| نبيل الملاح

كنت قد كتبت عدة مقالات بعنوان «دمشق وقضايا الخدمات» تحدثت فيها عن سوء واقع الخدمات في مدينة دمشق العاصمة، وضرورة معالجة ذلك باهتمام وجدية من خلال قيام المسؤولين في المحافظة بتحمل مسؤولياتهم بعمل ميداني مبرمج ومستمر، لا من خلال وجودهم في مكاتبهم وقاعات الاجتماعات الفارهة والمكيفة.
لكن ما كتبته من منطلق الحرص على دمشق عاصمة سورية لم يلق الاهتمام الجدي والمناسب، ولم تتم معالجة قضايا الخدمات التي طرحتها وأهمها إجراء الصيانات والترميمات الضرورية للطرقات والأرصفة في مختلف الأحياء والمناطق، وبقي الوضع على حاله، بل يزداد سوءاً يوماً بعد يوم..؟! وخاصة في الأحياء الشعبية كمنطقة المزة القديمة التي ذكرتها على سبيل المثال.
وأنا لا أتحدث عن خدمات كمالية أو جمالية أو ترفيهية، بل أقصد المحافظة على طرقات وأرصفة صالحة للاستخدام بشكل مقبول لا يتعرض فيها المواطن وخاصة الأطفال والنساء لإرباك وأذىً، ولا أطلب إعادة تزفيت الشوارع ورصفها لتكون صالحة وجميلة تليق بمدينة دمشق، رغم أن ذلك ضروري وممكن.
يتذرع المعنيون في المحافظة بظروف الأزمة التي تمر بها سورية، وهذا غير مقبول على الإطلاق، فالأزمة تتطلب مضاعفة الجهود لمواجهة تداعياتها وتأمين الاحتياجات الضرورية لمنع انهيار البنية التحتية والأساسية للخدمات في مختلف أحياء دمشق ومناطقها.
تحدثت أيضاً عن التجاوزات والمخالفات الواقعة في المناطق والأحياء الشعبية لجهة إشغال الأرصفة وعدم وجود تراخيص لكثير من المنشآت القائمة ضمنها لمهن لا يجوز أن تقوم في مناطق سكنية لتسببها بالضجيج والتلوث البيئي الذي يزداد يوماً بعد يوم ويسبب الأمراض الخطرة.
وأسأل: أليس في ذلك إضرار بمصلحة المواطن والدولة؟ ألا يدرك المسؤولون في المحافظة أن عدم التصدي لهذه الظاهرة منذ بدايتها سيؤدي إلى خلق واقع يصعب التغلب عليه بمرور الزمن؟
ثم أسأل: ألا يؤدي هذا الإهمال والتقصير إلى فوات مبالغ طائلة على خزينة الدولة وواردات المحافظة؟
إن الفساد الذي يستشري في مجتمعنا كالسرطان، هو السبب الرئيس لهذا الواقع السيئ، حيث يجعل الموظف المسؤول غير مكترث بهموم الناس ومعاناتهم وينصب اهتمامه على الأعمال التي يحصل من خلالها على منفعة ورشوة، ولا يكترث بشكاوى المواطنين.. وهذا انعكس بشكل واضح على أعمال الخدمات والصيانة- وهي محدودة- فالمتعهد الذي رست عليه المناقصة لابد أن يقوم بدفع «المعلوم» على مختلف المستويات، وهذا يضطره إلى التلاعب بالمواصفات المطلوبة لإنجاز الأعمال.
وبعد أن كانت حالات الفساد تتم بشكل غير علني وغير ظاهر، أصبحت الرشوة تدفع علناً من دون خوفٍ أو خجل، وأصبحت المظاهر المعيشة لهؤلاء الفاسدين والمرتشين- وأصبحوا كثراً- تدل بوضوح على فسادهم، فبعض الموظفين الحديثين أصبح لديهم سيارات ويعيشون برفاهية رغم أن رواتبهم بسيطة!
لابد من بتر هذا الورم السرطاني لإنقاذ الدولة والمجتمع، ومحاسبة الفاسدين والمرتشين والمقصرين ومن يحميهم بحزم وجدية، وإن التراخي في ذلك لأي سبب كان سيؤدي إلى انهيار مجتمعي وأخلاقي يصعب تجاوزه وإصلاحه.
وعلى الجهات الوصائية المختلفة في السلطتين التشريعية والتنفيذية القيام بواجبها لمعالجة هذا الخلل وملاحقة هؤلاء من دون محاباة لأحد، ولا يحق لأحد أن يجعل من نفسه فوق مصلحة الوطن والمواطن، ولا يجوز أبداً أن يتم الاكتفاء بالحديث عن محاربة الفساد ومحاسبة المقصرين والفاسدين بالإعلام والإعلان فقط.
وسيبقى السؤال قائماً: أين المحاسبة..؟ إلى أن نرى ما نصبو إليه يتحقق. والشعب يرى، والتاريخ يشهد.
باحث ووزير سابق

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن