قضايا وآراء

قبل العدوان الأميركي على سورية ليس كما بعده!؟

| عبد السلام حجاب 

تسعون رسالة سورية إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، لكن أحداً لا يريد أن يقرأ، وإذا قرأ فإنه لا يريد أن يفهم، وإذا فهم أن الرسائل حول حيازة المجموعات الإرهابية لأسلحة كيميائية تضمنت بعضها الإشارة الصريحة والواضحة إلى نقل مادة السارين تهريباً من تركيا إلى سورية بطريقة فاضحة ومافيوية، فإن الفهم والمعرفة لا يكفيان إن لم تلحق بهما إجراءات يقع على عاتق المنظمة الدولية اتخاذها في اللحظة المناسبة والمكان المناسب ولاسيما أن المصداقية ليست هدفاً في نهج الرئيس الأميركي الجديد ترامب، وإنما كما يشير مراقبون، فإن التصعيد هو منهجه كقوة ترضي غرور الجمهور.
أوضح مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن فلاديمير سافرونكوف، قبيل استخدامه الفيتو ضد مشروع قرار أميركي بريطاني فرنسي، بأن العالم أصبح متعدد الأقطاب ومعقداً ولن نمضي بالسياسات السابقة، وقال: نطالب الولايات المتحدة بوقف العدوان والانضمام إلى جهود مكافحة الإرهاب، أما المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف فقال من جهته: إن العدوان الأميركي على سورية، وبدلاً من إجراء تحقيق في حادثة خان شيخون، يؤكد أن واشنطن لم تكن راغبة بالتحقيق في هذا الحادث.
لقد تأكد أن أي جهة في مجلس الأمن، من الدول الغربية وأميركا، ليست مهتمة ولا تعنيها مضمون رسائل سورية إلى المجلس، كونها تتعلق بكشف تحركات الإرهابيين، بل إن مضامين ما يعملون عليه وما تتضمنه أجنداتهم اللاحقة هي بإمكانات توظيفها واستثمارها بما يخدم ويصب في خدمة التنظيمات الإرهابية، وهو ما ظهر عملياً عندما شعرت أميركا أن المجموعات الإرهابية صارت تتراجع، فبدأت واشنمطن بتقديم الدعم المباشر لهذه التنظيمات وتبين أنه دعم لم يقتصر على دول تحالف واشنطن بل كانت إسرائيل سباقة لتقديم مثل هذا الدعم.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال من جهته: إن تدمير السلاح الكيميائي في سورية كان باتفاق بين أميركا وروسيا، وخلال عام ونصف أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تدميره بشكل كامل، مشيراً إلى أن بلاده لن تسمح بالتصعيد.
وأكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال اللقاء الثلاثي الذي عقد في موسكو بين وزراء خارجية سورية وموسكو وإيران، أن الولايات المتحدة اعتدت على سورية بدلاً من إجراء تحقيق في حادثة خان شيخون، وكان من تداعيات هذا العدوان إبلاغ وزارة الدفاع الروسية البنتاغون الأميركي رسمياً بتعليق العمل بخط الاتصال الساخن حول سورية بداية من 8 نيسان الجاري.
كما قال وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم: الاجتماع السوري الروسي الإيراني يشكل رسالة قوية بعد العدوان الأميركي على سورية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لن تقبل بتحقيق نزيه حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية.
لقد طلب الرئيس الصيني شي جين بينغ من الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعم العمل السياسي للأزمة في سورية وفق القرار الدولي 2254 ومكافحة الإرهاب، ولكن يبدو أن الكذبة الكيميائية التي باعها ترامب للشعب الأميركي، لم تكن كذبة منفصلة، بل لها متعلقات وهو ما توقفت عنده مصادر متابعة في موسكو، مشيرة إلى التزامن في التحريك الأميركي لملفي التعامل مع سورية وكوريا بالتزامن مع زيارة الرئيس الصيني إلى أميركا ولقائه ترامب، وكذلك زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى موسكو، متسائلة، تلك المصادر، عن مصادفة غريبة اسمها حادثة خان شيخون التي منحت ترامب فرصة العدوان والتصعيد ضد سورية، وقالت: إن الطابع المفبرك لحادثة خان شيخون الكيميائية تتضح من هنا فهي كانت بهدف السعي إلى التفاوض مع موسكو وبكين، ويبدو واضحاً أن هدف الإخراج الهوليوودي كان يحتاج إلى إثارة وحدث مدو، وتوقعت مساراً تفاوضياً لحلول في الملفين.
بعد لقائه وزير الخارجية الأميركي تيلرسون قال لافروف: أكدنا توجهنا المشترك لمحاربة الإرهاب الدولي بشكل صارم، وأضاف بأنه جرى الاتفاق مع الوزير الأميركي على ضرورة إجراء تحقيق مفصل ودقيق بحادثة استخدام الكيميائي في سورية بالتعاون مع الأمم المتحدة.
ولولا التعهدات التي أعلنها تيلرسون بعد اتصال أجراه مع رئيسه ترامب لما تمت إجراءات استقبال الرئيس بوتين له في موسكو، ولا سيما أن الدفاع الروسية أكدت أن الولايات المتحدة انتهكت القانون الدولي بارتكابها عدواناً على سورية وتحاول تفادي مساءلة مجموعات تقودهم القاعدة.
وقالت مصادر أمنية متابعة لملف السلاح الكيميائي في سورية: إن تركيا هي الجهة الوحيدة التي تقف وراء هذا السلاح منذ خان العسل والغوطة ولن يكون ما حدث في خان شيخون بعيداً عنها، مشيرة إلى أن فروعاً أمنية أميركية تشارك في الإدارة.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: تعودنا على سماع الاتهامات بحق سورية من دون أساس من الصحة ووراء هذه الاتهامات رغبة في إسقاط الدولة، كما أعلنت أن الضربة الأميركية في سورية تمثل تحدياً خطيراً للأمن والسلام الدوليين.
وقد شجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئيس الأميركي على المضي بعمل عسكري في سورية وأعلنا الاستعداد للمشاركة، وقد رد عليهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: بعدم الاصطياد بالماء العكر.
لعله من الغريب أن نرى نتنياهو يكاد يبكي على خان شيخون بعد فشل الإرهابيين في جوبر وريف حماة، وفشل رعاتهم لما يسمى وفد الرياض في اجتماعات أستانا وفي جنيف الرابع والخامس، وأكد السيناتور الجمهوري الأميركي ريتشارد بلاك أن الولايات المتحدة اعتمدت على أدلة جاءت بشكل حصري من الإرهابيين، وأضاف: أعتقد جازماً بعدم وجود أي احتمال أن تكون سورية نفذت هجوماً في خان شيخون وأعلم أن مثل هذا الهجوم الكيميائي الذي يجري الحديث عنه لم يتم في وقت تحقق سورية انتصارات في الميدان على الإرهاب، معتبراً أن هجمات ترامب المفاجئة على سورية تلائم فلسفة الأفعال غير المتوقعة أو نظرية الرجل المجنون التي دافع عنها وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر الذي عمل مستشاراً لدى ترامب في التفاوض حول العلاقات بين أميركا والصين وروسيا، وتقضي نظريته بأن التصرف بنمط غير منطقي يمكن القادة الأميركيين أن يضعوا خصومهم باستمرار في موقف يخشون فيه من تغلب القوة الأميركية الخطرة بالحديث عن أدلة مزورة، وأشار لافروف إلى أنه لو كانت الأدلة صحيحة لما جرى التستر عليها لكنه أحد أوجه مشروعات الهيمنة الأميركية التي تسعى إلى فرضها في عالم تغير وتقدم إلى الأمام بظهور أقطاب جديدة بات من الصعوبة بمكان تجاهلها في الواقع السياسي والميداني.
ما يعيد إلى الذاكرة العربية مشروع الربيع العربي ومشروعات الهيمنة الأميركية الذي يشكل المشروع الصهيوني رأس الحربة له، حيث تبرز المقاومة في مواجهته، الأمر الذي يجعل سورية مستهدفة في هذا الخضم من الصراع بحيث يتم تغييب تسعين رسالة بعثت بها الخارجية السورية إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة تتعلق بالإرهاب وجرائمه والأطراف الداعمة له في سورية والعراق لخدمة أهداف عدوانية صهيوأميركية، كون سورية لاعباً أساسياً ودورها محورياً في المقاومة ومكافحة الإرهاب ومخططات رعاته وداعميه.
في مؤتمر صحفي مشترك مع المعلم وظريف، أعلن لافروف: بحثنا العدوان على سورية وموقفنا واحد إذ إنه مخالف للشرعية الدولية، ونصر على أن تحترم واشنطن استقلال سورية، كما اعتبر لافروف العدوان بأنه خرق للقانون الدولي وغير مقبول، مؤكداً أن الأعمال أحادية الجانب تؤدي إلى تقويض عملية السلام، والمفترض بحسب القرار الدولي 2254 أن مستقبل سورية لن يقرره إلا السوريون بأنفسهم.
كما أكد ظريف أن الأعمال المنفردة وحيدة الجانب من قبل أي دولة غير مقبولة وهذه الأعمال هي من أوجدت تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين.
وقال المعلم: ندين استخدام السلاح الكيميائي ومن هنا جاءت مطالبتنا بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة ومهنية لكي تزور مطار شعيرات وخان شيخون، وأعلن أن الدور الأميركي في أستانا وجنيف كان في حدوده الدنيا، وهذا يعني أنهم لا يريدون حل الأزمة في سورية.
في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية قال الرئيس بشار الأسد: إن ما حدث في خان شيخون مفبرك مئة بالمئة، مؤكداً: نحن لا نمتلك ترسانة كيميائية ولو امتلكناها فلن نستخدمها، وأشار إلى أن الولايات المتحدة ليست جادة بالتوصل إلى حل سياسي في سورية، وأشار محللون سياسيون إلى أن الصمود السوري هو ما سيمنع محاولات تقسيم سورية، إضافة إلى موقف الأصدقاء والحلفاء وفي مقدمتهم روسيا وإيران وحزب اللـه.
وأوضح بأن واشنطن ما تزال تتجاهل سير المعارك في سورية والتطورات التي تحصل منذ الانتصارات التي تتحقق في حلب والموصل، مؤكداً أن عدوان أميركا على دولة ذات سيادة هو دعم مباشر للإرهابيين إن لم يكن واقعياً، أخذ دور الأصيل بدل الوكيل، ما يكشف حقيقة أبعاد ومرامي الدور الأميركي إن في العراق أو في سورية، ولم يعد التستر على هذا الدور وأهدافه ممكناً بعد انكشاف الأجندات وظهور الأدوار على حقيقتها التآمرية السوداء.
لم تتضح بعد أسباب عدم ظهور أصوات إدانة للجريمة التي ارتكبها طيران التحالف بقيادة واشنطن في قرية حطلة شرق دير الزور في سورية، وقال بيان للجيش والقوات المسلحة: إن القصف نجم عنه سحابة بيضاء أعقبها سحابة صفراء ما يعني تفجيرات نجمت عن الضربة في مخازن لتنظيم داعش في تلك المنطقة، تسببت بسقوط مئات من الضحايا جراء استنشاقهم لمواد سامة، لكن أحداً لم يسمع صوت مندوبة ترامب في مجلس الأمن بهذا الخصوص.
وليس بعيداً عن تصريحات وزير خارجية كازاخستان استعداداً لاستئناف اجتماعات أستانا قال لافروف: إن عملية أستانا لا تزال تؤدي وظائفها وفي الأسبوع المقبل سينعقد لقاء الخبراء بين روسيا وتركيا وإيران في طهران، وستتم مناقشة التحضيرات للجولة الجديدة أيام 3 و4 أيار المقبل في أستانا، وأوضح بأن اللجنة المقترحة يجب أن تضم خبراء من أمانة حظر الأسلحة الكيميائية وخبراء مندبين من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية، مؤكداً أن تشكيل هذه اللجنة سيضمن إجراء التحليل الأفضل والشفافية الأكيدة لما حدث.
يتوضح باستمرار بأن الإرهاب يشكل ساحة الاستثمار الأميركية في سورية، وليس مستغرباً أن تدفع المواقف الصلبة والواضحة لكل من روسيا وإيران وسورية الرئيس ترامب إلى إرسال وزير خارجيته تيلرسون إلى موسكو بحثاً عن دعم أكثر للإرهاب وأجنداته، التي كشفت العدوان الأميركي على قاعدة الشعيرات السورية أنه، ليس مجرد رمانة بل قلوب مليانة، من الصمود والثبات الوطني السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، أكد فشل المحاولات الضاغطة التي سبقت العدوان وتمسك سورية بمسار مكافحة الإرهاب وتحقيق نجاحات لم يعد ممكناً تجاهلها لما أحدثته من آثار في الواقع السياسي والميداني، لكونها خيارات سورية وطنية باتجاه الاستمرار بمحاربة الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن