عربي ودولي

موسكو واللاءات الثلاث

| رفعت البدوي 

شهدت العاصمة الروسية موسكو نشاطاً دبلوماسياً ملحوظاً، جاء عقب أحداث خطيرة ومتسارعة في سورية، كادت تتسبب بوقوع انفجار المنطقة والعالم، متجاوزة الخطوط الحمراء وخارج نطاق المألوف.
اجتماع وزراء خارجية كل من روسيا وسورية وإيران في موسكو جاء أيضاً غداة لقاء مهم جمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون في موسكو، بيد أن هذا اللقاء كان عقب الاعتداء الأميركي السافر على الجمهورية العربية السورية بإطلاق صواريخ التوماهوك البعيدة المدى على مطار الشعيرات، ما شكل انذراً بإشعال المنطقة بهدف قلب الطاولة وإعادة رسم معادلة جديدة تكون فيها أميركا وإسرائيل اللاعب الأكبر.
المحاولات الأميركية الإسرائيلية الهادفة إلى فرض واقع جديد، هي مسلسل طويل، فالغارة الأميركية على مواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة في الشمال السوري، التي بررته الإدارة الأميركية أنه جاء عن طريق الخطأ، كان الهدف منها توجيه رسالة إلى سورية وروسيا معاً مفادها منع تقدم الجيش العربي السوري، إلا أن أميركا لم تكتف بالغارة بل إنها قامت بإنزال جوي في منطقة الرقة بهدف تدعيم قوى الإرهاب في تلك المنطقة، لكن تحت عنوان المناطق الآمنة.
العدو الإسرائيلي استكمل العدوان على سورية بغارة جوية على منطقة البادية السورية تحت عنوان ضرب قافلة أسلحة كانت متوجهة إلى حزب الله اللبناني، وفي حقيقة الأمر فإن الغارة الإسرائيلية كانت تهدف إلى فك الطوق عن المجموعات الإرهابية في تلك المنطقة ولرسم معادلة جديدة في الحرب الدائرة على الأرض السورية، لكن إطلاق الدفاعات الجوية السورية صورايخها الروسية المضادة للطائرات التي لاحقت الطائرات الإسرائيلية المعادية إلى داخل فلسطين المحتلة ونجاحها في إسقاط إحدى الطائرات الحربية الإسرائيلية، شكل مفاجأة وبعث برسالة قوية للعدو الإسرائيلي ولأميركا، ما سبب ذعراً حقيقياً لدى الإسرائيلي والأميركي.
موسكو أعربت عن امتعاضها الشديد من العدوان الإسرائيلي على سورية عبر اتصال مباشر تم بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبين رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي سمع خلالها توبيخاً قاسياً من بوتين، وفُهِم من نتائج الاتصال أنه تم تكبيل حركة نتنياهو في سورية وأنه لم يعد حراً في تصرفاته على الأرض السورية.
إذاً، وبعد تكبيل اليد الإسرائيلية، لم يعد ممكناً الاستمرار في الخطط الأميركية الإسرائيلية المدعومة من بعض العرب، إلا عبر حدث جديد مصحوباً بحملة إعلامية ملفقة تغطي قيام أميركا باعتداء عسكري من شأنه أن يؤدي إلى قلب الطاولة ورسم معادلة جديدة في سورية يُعيد لأميركا وإسرائيل علو الكعب، ومن أجل إتمام المهمة الأميركية تم استحضار ملف الأسلحة الكيميائية وإبرازه من جديد إلى الواجهة كمادة دسمة تدغدغ المشاعر الإنسانية واتهام القيادة السورية مباشرة لتبرير الاعتداء على سورية.
انطلقت صواريخ التوماهوك من بوارج أميركية عابرة الأجواء الفلسطينية واللبنانية متجهة نحو هدفها مطار الشعيرات السوري. موسكو اتخذت موقفاً حازماً من الاعتداء الأميركي على سورية عبرت فيه عن وقف أي تعاون مع أميركا بشأن سورية، وتصاعدت اللهجة الأميركية وعدنا إلى سيمفونية ممجوجة بما خص دور الرئيس بشار الأسد.
في رسالة اعتبرت الأقوى منذ التدخل الروسي في سورية تعبر عن صلابة وتماسك الحلف الروسي السوري الإيراني في مواجهة مخططات أميركا وحلفائها، تداعت قوى الحلف للاجتماع على مستوى وزراء الخارجية في موسكو، وفي ختام الاجتماع صدر بيان مشترك عبر عن وحدة الموقف كما تم فيه إطلاق اللاءات الثلاث:
«لا» لأي اعتداء مجدداً على سورية
«لا» للمس بالرئيس الأسد
«لا» لرسم معادلة جديدة وتكرار السيناريو العراقي في سورية
كما أعربت روسيا عن مواصلتها دعم القيادة السورية رئيساً وجيشاً في محاربة الإرهاب، وأن خطوات مشتركة اتُخِذت في تنسيق تام بين الحلفاء لمواجهة أي اعتداء جديد على سورية مهما كلف الأمر.
لقاء وزير الخارجية الأميركية تيليرسون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو ما كان ممكناً لولا حصول بوتين شخصياً على وعد أميركي مؤكد وصريح بعدم تكرار أي عمل عسكري أميركي يستهدف سورية.
المنطقة أمام حرب إرادات وتحالفات ورسم خرائط تدور رحاها على صفيح ساخن عنوانها نكون أو لا نكون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن