اقتصاد

تصدير «الشنطة»

| علي هاشم

بغض النظر عما تعلنه الحكومة، تتلخص جوهر سياستها الاقتصادية راهناً في تنمية الإنتاج والاستمرار بكمش الطلب الداخلي، بما يحقق لها نموا في بيانات الاقتصاد ودريئة من المخاطر النقدية.. وفق واقعنا الاقتصادي، فكلا الأمرين يقف عند النهاية الحديّة للآخر، ومع انسداد الأفق أمام زيادة الأجور لدعم الطلب الداخلي، سيكون عليها المسارعة لابتداع آلية فعالة لتصدير الإنتاج الكاسد، وفق ما قال رئيس اتحاد المصدّرين، وما تتطلع إلى تنميته من منتجات جديدة.
فما دامت الحكومة مصرّة على تنمية الإنتاج من كوّة المشاريع الكبيرة دون الصغيرة، سوف تستمر السلع بالتدفق معمّقة «كسادنا التضخمي» الناجم عن عجز القدرة الشرائية عن الاستهلاك.. وشيئاً فشيئاً، ومع استمرار الفشل بشقّ طرق للتصدير، لن يلبث عنق الزجاجة الذي يعصر اقتصادنا في الإنتاج، أن ينزلق إلى عنق الأسواق.. ما العمل؟!
منذ الأيام الأولى لتشكيلها، ذهبت الحكومة إلى عصف فكري حول التصدير، لتخلص -بعد نحو عام- إلى الشحن الجوي طريقا للعراق، ورغم أهمية الخطوة، فهي مجرّد رسالة عن التعافي تستوجب تاليا البدء بالتصدير الحقيقي لحماية الإنتاج الوطني -القائم والمتوقع- من الارتداد، ومع استمرار فشلنا في الأمر (لظروف موضوعية وذاتية) تتعاظم حاجتنا إلى التفكير من خارج الصندوق لابتداع حلول غير تقليدية يمكن استقاؤها من لدنّ بيئتنا التجارية المنفلتة عبر الحدود.
يجسّد المقترح السابق طلباً لافتاً لأحد تجار دمشق بزيادة قيمة البضائع الخارجة «صحبة المسافر»، في الواقع، ثمة ما يمكن تخيّله بين ثنايا الفكرة، فهذا المصطلح باسمه الرائج «تجارة الشنطة»، أفادت منه بلدان نامية عدة لامتصاص العرض الناهض في أسواقها درءا لتغذيته الراجعة من التهام التشغيل.
في محاسنها، تختزن «تجارة الشنطة» قدرة ذاتية على تصريف قسط من الإنتاج المحلي عبر سلسلة من العربات الصغيرة التي تنسلّ بخّفة حاملة سلعاً تم اختبار تنافسيتها سلفاً، متكئة على الفساد في بعض العمل الجمركي -كتقليد عالمي- لتجاوز معوقات التأمين والشحن والدفع.. وتبعاً لمرونتها فهي تستبطن قدرة فائقة على التجانس والنفاذ من المنع المبطّن والاستخدامات الاستهدافية لقواعد المنشأ والمواصفات والمقاييس واشتراطات الوقاية والرسوم.
إن صحت توقعات التاجر الدمشقي، فقد يشكّل تجار الشنطة إحدى قنوات الدعم المتاحة للصناعة الوطنية راهناً، ففي أسواقنا اليوم، تنشط المئات من هذه الخلايا المنفردة التي تعمل عبر الحدود دون اكتراث لبرامج دعم التصدير ومنع الاستيراد، ويمكن لتمكينها دعم توسّعها أفقيا إثر انضمام خلايا جديدة تفيد من تعاظم جدوى الشحن الشخصي جوا وبرا لتصريف منتجاتنا خارجا، بما قد يضفي شيئاً من التوازن على التهريب المتدفق داخلا عبر تخليق مسارب تصديرية لا تتعارض أبدا مع مصالح شركات التصدير، ففي الأغلب الأعم، تتسم هذه الخلايا باستقلالية مساراتها وأسواقها عن التصدير التقليدي.
في محاذيرها، ليس ثمة ما يمكن تلافي منعكساته في «تجارة الشنطة» أن من حيث تناسبيتها التجارية الفنية أم توازن أسواقنا الداخلية، فمن خلال لوائح معلنة للسلع الممكن تمريرها، يمكن لوزارة الاقتصاد الإنصات جيداً إلا منعكساتها واتخاذ ما يلزم، وإن هي أصاخت السمع جيداً لرجع صداها، فقد يقيض لها الاستحواذ على قواعد بيانات عملانية تؤسس فيما بعد لرسم خريطة تأشيرية للأسواق التي يجب الوصول ونوعية الطلب والتوزّع الجغرافي للاهتمام بالسلع.
نظرياً، تبدو الفكرة قابلة للإفادة مما لدى التجار في هذا الميدان، فما دام للحكومة «أصحاب تهريب» أكثر مما تحتاج، فلا مانع أن تختبر صحبة جديدة مع المسافرين؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن