قضايا وآراء

ترامب والسلاح الكيميائي

| أسامة سمّاق

هل وجدت أميركا الذريعة لاستئناف تورطها في الحرب على سورية؟
شهد التأثير الأميركي في الأحداث في سورية فترة انحسار بدأت بتراجع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن الاهتمام اليومي بالوضع في سورية بسبب قرب موعد الانتخابات الأميركية، واستمرت بعد تنصيب دونالد ترامب رئيساً، إلى أن فاجأتنا الإدارة الجديدة بهجومها «الكيميائي» على دمشق الأخير، ونقول بهجوم أميركا الكيميائي على دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، لأن ذلك هو التوصيف الأقرب للحقيقة من خلال قصف مطار الشعيرات الأخير.
فبغياب أي دليل على اتهام الحكومة السورية باستعمال الأسلحة الكيميائية يتضح أن مسرحية الهجوم الكيميائي تمّ إخراجها في واشنطن.
حصل هذا بعد أن عززت المؤسسة الحاكمة في واشنطن سيطرتها على دائرة القرار، وذلك بعد إزاحة مستشار الأمن القومي مايكل فلين ومؤخراً مستشاره ستيفن بانون بحيث لم يبق في إدارة ترامب غير كبار الموظفين الصهاينة وجنرالات الحرب الذين يتوقون إلى تصعيد التوتر مع كلٍ من روسيا والصين، وإشعال حربٍ مع إيران وسورية وكوريا الشمالية.
استراتيجية المؤسسة الحاكمة الأميركية ومن خلال الدراسات المنشورة تتلخص بفرض حكومة في سورية على شكل دمية أميركية محابية لإسرائيل، وتسمح لـ«إكسون موبيل» والمحافظين الجدد، ببناء خط غاز جديد قادماً من قطر عبر سورية يؤدي بالنتيجة إلى الاستغناء عن خط الغاز الروسي إلى أوروبا، وهذا بدوره يحرم روسيا من التدفقات النقدية الكبيرة إليها من تسويق وبيع الغاز لدول الاتحاد الأوروبي، ما يؤسس لانهيار الاقتصاد الروسي ويكرر ما حدث في عام 1986 في عهد الرئيس ميخائيل غَرباتشوف عندما أصبح سعر برميل النفط دون العشرين دولاراً والذي لعب دوراً حاسماً في انهيار الاتحاد السوفييتي.
من هنا يمكن أن نفهم لماذا لم تستجب الولايات المتحدة لمحاولات روسيا في إيجاد صيغة للتعاون مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، فذلك أشبه بمحاولات فك تحالف بين حليفين يخوضان حرباً واحدة ضد عدوٍ مشترك، حيث إن الإرهاب هنا أحد أسلحة واشنطن في صراع الهيمنة على ما تبقى في هذا العالم من معاقل السيادة واستقلالية القرار، فخطط واشنطن تهدف إلى توجيه الإرهاب الذي تدعي محاربته إلى إيران بعد الانتهاء من مهمته في سورية، ثم إلى روسيا نفسها.
وهنا يطالعنا الإعلام الروسي بشكل شبه أسبوعي عن اكتشاف خلايا إرهابية لداعش في أماكن مختلفه من الجغرافيا الروسية، حتى في عاصمتها موسكو وفي بطرسبورغ التي شهدت مؤخراً تفجيراً مؤلماً في محطة المترو، وهذا دليل آخر على صحة ما ذهبنا إليه أعلاه بأن العمل يمضي في التأسيس لبنية الإرهاب التحتية على الأراضي الروسية تمهيدا لنسف الأمن في المدن والأرياف الروسية.
فترة ما بعد مطار الشعيرات بالضرورة ليست كما كان قبلها، فأميركا، وأقول أميركا وليس الغرب لأن الأخير لا يعدو كونه كومبارساً للصوت الأميركي، عادت بعدوان سافر على سورية أضافته إلى العدوان القائم أصلاً منذ عام 2011، مروراً بإنزال قواتها في شرق البلاد، فمسلسل الأحداث لم تنتهِ حلقاته بعد، على رغم الهزائم المتكررة لفصائلها المسلحة على الأرض والتي توجته معركة حلب، ومن خلال فهمنا لأهداف الهجمة الأميركية الجديدة فإن الفترة القادمة ستشهد معارك شرسة على الجبهتين السياسية والعسكرية، حيث سترسم خواتم هذه المعارك الجغرافيا السياسية لسورية والمنطقة، لا بل سترسم أيضاً الخريطة الاقتصادية والقومية والديموغرافية لمستقبل المنطقة.
نتيجة الصراع على المستوى العالمي إما أن تؤدي إلى نشوء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب أو أن نستمر في التعايش مع نظام وحيد القطب القائم حالياً مع ما يعنيه ذلك من عبورٍ للسيادة وكبح للطموح الوطني وفقدانٍ للهوية.
من هنا نرى أن هناك امتحاناً لا بد لروسيا وإيران من اجتيازه بسرعة وهو حسم الصراع سياسياً أو عسكرياً، وخاصةً أن المبادرة الإستراتيجية بيد الدولة السورية حالياً وحلفائها، فإطالة الصراع قد تؤدي إلى خلل في موازين القوى بين طرفي النزاع، فسورية قدمت الكثير حتى الآن ومازالت جاهزة لخوض المعركة الفاصلة.
مما تقدم يتضح أن الآمال والمراهنات على تشكيل حلف دولي لمكافحة الإرهاب لا يمكن أن تستقيم وطبيعة الأشياء، فلم تكن القاعدة في أفغانستان إلا ذراعاً للمخابرات الأميركية والبريطانية في الحرب الباردة، ولن تكون القاعدة اليوم في سورية والمنطقة، أو أبناؤها أو أحفادها من النصرة أو داعش إلا سلاحاً لهذه الدول من أجل إسقاط الدول وتفتيتها وصولاً إلى استكمال الحلقات الأخيرة في مسلسل السيطرة على العالم، بالتالي فإن تعاقب الإدارات الأميركية وتبدل الوجوه الحاكمة لا يغير استراتيجية الهيمنة للمؤسسة الحاكمة في واشنطن، فالقصة واحدة والأبطال مختلفون.
تأسيساً على ما ورد أعلاه فإن عودة الولايات المتحدة إلى ساحة الصراع السوري من خلال العدوان المباشر، ما هو إلا مؤشر واضح لخضوع ترامب النهائي للمؤسسة الأميركية القديمة وزعامتها من المحافظين الجدد والتي تحاول إحياء حروب بوش الابن من خلال تسخين الملفات العالقة في كلٍ من سورية وإيران وشبه الجزيرة الكورية.
وأخيراً لم يبق هناك خيار سوى الإسراع في حسم الصراع وإيصاله إلى نهايته المظفرة سياسياً وعسكرياً، فخيار الخضوع والتبعية لا نرضاه لأنفسنا ولا نتمناه لغيرنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن