سورية

تعمل على تفكيك الجبهة الأميركية مع المحافظة على الخطوط مفتوحة مع الجميع … موسكو تلين مواقفها دبلوماسياً ريثما تبلور خياراتها العسكرية

| أنس وهيب الكردي

بوحي من تحسسها خطورة التوترات الدولية والإقليمية حول سورية، بعد العدوان الأميركي على مطار الشعيرات والتي بثت الحياة في تحالفات واشنطن بالمنطقة، لجأت روسيا إلى الطريق الدبلوماسية لتهدئة تلك التوترات ريثما تبلور خياراتها العسكرية مع حلفائها في دمشق وطهران.
وتعمل الدبلوماسية الروسية في الوقت الراهن على تفكيك الجبهة الأميركية في الشرق الأوسط والتي أحيتها إدارة الرئيس دونالد ترامب استعداداً للمواجهة مع كل من إيران وتنظيم داعش، ساعيةً إلى إبقاء الخطوط مفتوحة مع الجميع.
لتحقيق ذلك تكثفت حركة المشاورات والاتصالات ما بين العاصمة الروسية ونظيراتها الأوروبية والخليجية، في مسعى من موسكو لامتصاص التداعيات السياسية لعدوان الشعيرات والعودة الأميركية إلى لعب دور فعال فيما يتعلق بالمسألة السورية.
في هذا السياق، وصل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى موسكو أمس إثر رسالة روسية حملها إلى الرياض نظيره المصري سامح شكري، وبعد أيام من زيارة وزير الخارجية القطري إلى روسيا.
الطريق الذي تسير به موسكو حالياً يبدو أنه موضوع اتفاق مع كل من دمشق وطهران، وخصوصاً أن اجتماعاً لوزراء خارجية الدول الثلاث تلا العدوان الأميركي، رتب للمرحلة المقبلة، والتي تبلورت ملاحمها عسكرياً من خلال تكثيف الحملة التي يشنها الجيش العربي السوري مدعوماً بحلفائه على معاقل المسلحين في إدلب والغوطة الشرقية وحيي القابون وبرزة الدمشقيين، بانتظار أن يضع وزراء دفاع هذه الدول النقاط على الحروف في اجتماع مرتقب لهم.
وكشفت تصريحات رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف والجبير البون الشاسع بين مواقف دولتيهما من حل الأزمة السورية، وعدم نجاح أي من الطرفين في جر الطرف المقابل إلى مواقفه. إذ رفض لافروف مساعي السعودية لإخراج إيران وحزب الله من سورية، في حين لم يوافق الجبير على طلب موسكو ضم بلاده إلى عملية أستانا، بخلاف قطر التي وافقت على المشاركة في العملية كـ «مراقب».
وفضل لافروف عدم الرد على موقف الجبير من الرئيس بشار الأسد باعتبار أن هذه القضية محسومة بموجب القرار الأممي 2254 والذي ينص على أن السوريين هم من يقررون مصيرهم بأنفسهم وذلك عبر حوار سياسي ينتهي بتشكيل «حكومة موثوقة وذات مصداقية وغير طائفية، وكتابة دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات بناء عليه»، واكتفى الوزير الروسي بالإشارة إلى أن السعودية ساهمت في القرار، في حين تمسك الجبير بـ«الحكومة الانتقالية وبيان جنيف 1».
ونقل موقع قناة «روسيا اليوم» الالكتروني عن لافروف إشارته إلى أن «روسيا والسعودية تشاركان معاً في المجموعة الدولية لدعم سورية التي قد وضعت أسسا للتسوية في البلاد»، وأعاد إلى الأذهان أن الدولتين كانتا من الدول المؤلفة للقرار الدولي 2254 الذي يتضمن مبادئ التسوية السورية، بما في ذلك الحق الحصري للشعب السوري في إقرار مصير بلاده. واستطرد قائلاً: «أمامنا عمل ضخم يجب القيام به تحت رعاية الأمم المتحدة، كما يجب خلاله التأثير على أطراف النزاع السوري من اللاعبين الخارجيين من أجل تشجيعهم على العمل بشكل بناء للبحث عن مقاربات مشتركة بشأن مستقبل البلاد».
وبدا لافروف مجاملاً لزميله السعودي خلال مؤتمرهما الصحفي المشترك في موسكو، إذ أكد عدم وجود تباينات بين الموقفين الروسي والسعودي بخصوص الأزمة في سورية «لا يمكن تجاوزها»، ثم عمل على إيضاح هذه الخلافات بالتأكيد أن موسكو لا تعتبر «حزب اللـه اللبناني منظمة إرهابية»، مشدداً على شرعية وجوده في سورية وهو ما ترفضه الرياض. وشبه وجود الحزب والقوات الإيرانية في سورية بوجود «القوات الجوية الروسية» لأن هذه الأطراف جاءت إلى سورية بـ«دعوة من الحكومة الشرعية»، ومضى أبعد من ذلك عندما دافع عن إيران بوصفها واحدة من «الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سورية بحسب اتفاقات أستانا».
واستطرد قائلاً: «إيران صرحت بالتزامها قرار مجلس الأمن 2254، وفي إطار محادثات أستانا تعتبر إيران مع تركيا وروسيا الدول الضامنة للامتثال لوقف إطلاق النار في سورية» الذي وصفه بالأمر الضروري، مؤكداً أن روسيا والسعودية تتبنيان حياله موقفاً مشتركاً. وانتقل لافروف بعد ذلك للحديث عن المشتركات بين موسكو والرياض، إذ أشار إلى أن لدى العاصمتين «تقييماً مشتركاً لخطر الإرهاب الدولي بما في ذلك داعش»، كما وضع على الطاولة المسألة اليمنية، مقدماً خدمات بلاده للمساعدة على حلها.
وحول الهجوم الكيميائي المزعوم في بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب، قال لافروف: «لا توجد أي عراقيل تمنع وصول المحققين الدوليين إلى مطار الشعيرات أو بلدة خان شيخون ذاتها».
في المقابل لم يظهر الوزير السعودي أي لين في مقاربة بلاده للوضع في سورية، نظراً لما يستشعره من قوة موقف الرياض بعد عودة الحياة إلى تحالفها مع واشنطن، والموقف الأميركي المستجد من أزمتي سورية واليمن، حيث يستعد حلفاء السعودية لشن هجوم على الجيش اليمني وحلفائه من جماعة أنصار اللـه (الحوثيين) في ميناء الحديدة الإستراتيجي. وسبق هذا الاجتماع تذكير الرجل القوي في الرياض ولي ولي العهد محمد بن سلمان موسكو بأهمية الصفقة النفطية بين البلدين، في تعبير دبلوماسي يحمل تهديداً مبطناً بإمكانية عودة الرياض عن هذه الصفقة.
وجامل الجبير روسيا بالقول: إن موسكو والرياض تجمعهما علاقة مهمة جداً، وأن المملكة تتطلع للعمل مع روسيا ودول أخرى لإيجاد حل سياسي للأزمتين اليمنية والسورية.
وأشار الجبير إلى أن مباحثاته مع لافروف تطرقت إلى «أهمية المحافظة على وحدة سورية وإيجاد حل سياسي على أساس إعلان جنيف واحد وقرار مجلس الأمن 2254». وحول حادثة خان شيخون، قال: «نؤيد إجراء تحقيقات… ما حدث انتهاك كبير للاتفاقية التي وقعها النظام السوري 2013، ويجب أن يدفع النظام السوري ثمنه».
وبشأن المحادثات في أستانا، شكك الجبير في فائدة انضمام أعضاء جدد لعملية التفاوض في أستانا، التي تتعلق بعملية وآلية وقف إطلاق النار والرقابة على الهدنة.
وعلق على نشاط حزب اللـه في سورية، بأن السعودية «مقتنعة بأنه ليس للحزب مكان في سورية»، وأكد أن «الرياض تريد أن تضع حداً للتدخل الإيراني في المنطقة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن