قضايا وآراء

دستور الجمهورية الخامسة والانتخابات الفرنسية

| عدنان عزام

لقد تم تفصيل دستور الجمهورية الخامسة على مقاس الجنرال المحرر لفرنسا شارل دو غول والذي نجح في ذلك الوقت في الانتخابات الرئاسية من الدورة الأولى عام 1958، وبين تلك الأيام وما نعيشه اليوم، عاشت فرنسا قرابة الستين عاماً من الاستقرار السياسي، وتناوب على قيادتها حزبان رئيسيان هما الحزب اليميني والحزب الاشتراكي، وكانت أحزاب عديدة على يمين اليمين كحزب الجبهة الوطنية الذي أسسه وقاده النائب الشاب آنذاك جان ماري لوبان والذي كان وحيداً في البرلمان الفرنسي، وفي فترات لاحقة لم يكن ليستطيع حتى الوصول إلى هذا البرلمان إلى أن أحدث زلزالاً سياسياً في عام 2002 بوصوله إلى الدور النهائي للانتخابات الرئاسية في تلك السنة، وهذا ما دفع كل الأحزاب من اليمين واليسار للوقوف في وجهه ومنعه من النجاح في الدور الثاني فاسحين المجال لجاك شيراك ليصبح رئيساً للجمهورية.
كان على يسار الحزب الاشتراكي، العديد من الأحزاب اليسارية والشيوعية والبيئية ومن هذه الأحزاب الصغيرة خرج جان لوك ميلانشون الذي احتل المرتبة الرابعة في تمهيديات الدور الأول لهذه الرئاسيات.
الزلزال المخيف عاد للظهور في الانتخابات الحالية، ووصلت رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني مارين لوبان المنقلبة على والدها جان ماري لوبان إلى الدور النهائي لهذه الانتخابات، لكن هذه المرة بطريقة أكثر تجذراً في المجتمع الفرنسي وبإمكانات مادية أكبر وكوادر أكثر شراسة ودراية بالعمل السياسي والأهم من كل ذلك بتحالفات دولية ليست بالضرورة لمصلحة فرنسا وأوروبا ونستطيع القول إن فرنسا تحبس أنفاسها حتى ظهور النتائج النهائية لما لها من تأثير عليها وعلى جوارها الأوروبي والإقليمي والدولي إذ سيشكل فوز لوبان قطيعة مع الستين سنة السابقة، وسيشكل خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، كما ورد في برنامجها، ضربة قاصمة لهذا الاتحاد، وبذلك تكون روسيا قد كسبت الرهان وربما إسرائيل وأميركا على الرغم من أن لكل من هذه الدول وجهة نظرها ومصالحها التي ليست بالضرورة متطابقة مع الأخرى.
وقد اعتبر مؤلف كتاب «المحنة السورية» جان بيير استيفال، أن وصول مرشح تيار الوسط وقائد حركة «إلى الأمام» إيمانويل ماكرون ولوبان إلى النهائيات الرئاسية، بمثابة ضربة كبيرة للحزبين التقليديين، اليمين واليسار، وستبرز تبعات ذلك الفشل في الانتخابات التشريعية التي ستحصل مباشرة بعد الاستحقاق الرئاسي.
مؤلف كتاب «التحديات الجديدة للاستخبارات الفرنسية» بيرنار سكارسيني ذكر بدوره أن مفاجأة هذه الانتخابات هي صعود جان لوك ميلانشون من حزب يسار اليسار وهذا ما لم يحدث قط في الجمهورية الخامسة، أما مؤلف كتاب «جريمة بلا عقاب» جان لو ايزامبير فقد كتب أن سبب صعود مارين لوبان هو من صلب الهواجس التاريخية الكبيرة لدى الفرنسيين الذين لم يحسموا بعد أمر علاقتهم بالشرق، نعم إنهم يريدون إبقاء سيطرتهم على الشرق، وهذا الشعور سيجعل فرنسا عرضة للمشاكل في المستقبل.
وفي المقابل قلل أوليفيي موسون عبر إذاعة «فرنسا الدولية» من حظوظ لوبان بالفوز وذلك بسبب إخفاق الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالمئة يوم الأولى من حكمه، وعلل ذلك بقوله: إن المرشحين الشعبويين (مثل ترامب ولوبان) لا يستطيعون تطبيق برامجهم الانتخابية.
يبدو أن ماكرون تنبه لهذا التحليل وراح يكثر من زياراته إلى الأحياء الشعبية والشبابية وخاصة التي يقطنها أعداد كبيرة من المهاجرين، ليتيح لهم التصور إلى جانبه وليكون رمزاً لهم، كل هذه التناقضات بالرؤية والتحليل، يجعل توقع النتائج ضرباً من المستحيل، فكم من الأموال سيضخ أنصار لوبان ليصلوا إلى مبالغ عملاقة تعادل تلك التي يضخها أنصار ماكرون، الابن المدلل لعائلة روتشيلد زعيمة العالم المالي والسياسي والماسوني، لأن الانتخابات الرئاسية في فرنسا، وكما خبرتها عن قرب لمدة ثلاثين سنة في باريس، وعشتها في قلب الحدث السياسي الفرنسي، ليست فقط قناعات وأفكار سياسية متحضرة بل أيضاً هي غرف سوداء سرية مليئة بأوراق العملة لشراء الذمم والولاء والأصوات وغرف للسحر والشعوذة وقراءة الطالع وإيهام الناس بقدرية هذا المرشح أو تلك، إنها مزيج من مدنية ضفاف نهر السين وجمالياته وسحر الشرق وإفريقيا يلتقيان ليحصل زواج المصلحة والمتعة، وهنا الغاية تبرر الوسيلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن