قضايا وآراء

أردوغان يتقمص دور أجداده السلاطين

| صياح عزام 

إن المتتبع للسياسة التركية يلاحظ بوضوح أنها تجسّد سياسة السلاطين عبر التحرش بهذه الدولة أو تلك، فالسلطان سليمان القانوني، هو صاحب القول المعروف إن الأتراك والفرس خصمان اليوم، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يكرر ما قاله السلطان سليمان بأن إيران تمد نفوذها إلى خمس دول في المنطقة.
إذا، التصرفات التركية ليست جديدة، بل هي جزء من الأخلاقيات التركية في جميع مراحلها: العثمانية والاتحادية والعلمانية والأردوغانية، علماً بأن ما فعله الرئيس رجب طيب أردوغان فاق كل من سبقوه بالتدمير والقتل، فمنذ ست سنوات جعل تركيا مستقراً وممراً للإرهاب والتكفير، وهو الداعي إلى دولة إسلامية إخوانية، والمهادن الأكبر لإسرائيل والمتعاون معها في السر والعلن.
نذكر هنا بما وصف به «الغرب» تركيا بأنها «أعز صديق له في الشرق الأوسط»! ونسوق فيما يلي حرفياً ما جاء على لسان الغرب حول تركيا بعد الحرب العالمية الأولى:
«إن تركيا القديمة قد ماتت تماماً، وتركيا الحديثة بكامل حيويتها ستصبح سداً منيعاً بوجه الاحتياجات الأجنبية، ومن المؤكد أن تركيا القوية المزدهرة هي صديقة، وكل مساعدة ومساندة نقدمها لها، تكون مفيدة بضمان وضع تركيا وتثبيت استقلالها، وأن الأهمية الكبرى لصداقتنا مع تركيا تفيد الغرب في التحكم بقضايا الشرق الأوسط بعد أن برهن العرب عن ضعفهم، ونأمل من وزيرنا في المستعمرات (أي الوزير البريطاني) أن يرتب مسألة خلق دولة يهودية قوية في فلسطين تصبح معها حيفا القاعدة المتينة للسلم».
نلاحظ من خلال هذا القول، كيف أن مصالح بريطانيا ودول الغرب قائمة على الثنائي التركي اليهودي، فهذه هي تركيا، ماضياً وحاضراً، قيادة منحرفة ومخادعة ومعادية نتذكرها جيداً في هذه الفترة من التاريخ، حيث بلغ عدوانها على سورية والعراق وليبيا ذروته، ونتذكر مع الدور التركي هذا الدور الفرنسي الداعم والمشجع للحرب الإرهابية على سورية، ومدى تطابق سياسة هاتين الدولتين المعاديتين للعرب عامة ولسورية خاصة.
ونحن نتذكر تركيا وما اختزنته سياستها تجاه العرب من حقد، يبرز أمامنا اسم السيء الذكر أحمد باشا الجزّار، كما يمثل أمامنا اسم الجنرال الفرنسي غورو الذي دخل دمشق على جثث البطل الشهيد يوسف العظمة ورفاقه بعد معركة ميسلون، حيث اتجه فوراً إلى ضريح صلاح الدين الأيوبي وضرب على بلاطه بقدميه قائلاً بصوتٍ عال: «صلاح الدين نحن هنا لقد عدنا من جديد»، وكأنه أراد أن يثأر من هزيمة الفرنجة في الحروب المُسماة «الصليبية».
نقول هذا عن تركيا في ذكرى المآسي التاريخية التي لا مثيل لها في وحشيتها أي مذابح الأرمن، عندما حوّل الأتراك المساكن والطرقات إلى مسالخ، ذُبح فيها الأرمن رجالاً ونساءً وأطفالاً ذَبح الحيوانات من دون أي رحمة، وهي مذابح ابتهج وصفّق لها اليهود واعتبروها أعياد فرح.
غنيّ عن الذكر، الموقف التركي من الأكراد، والذين هم جزء أصيل من شعبنا وأصحاب ماضٍ في الدفاع عن البلاد ضد الغزو الخارجي بقيادة صلاح الدين الأيوبي ويوسف العظمة وإبراهيم هنانو.
إذاً، ماذا نتذكر من الأتراك إلا الاستبداد والهيمنة ونشر التخلف ومحاولات التتريك!
إن تصريحات أردوغان حول العراق وسورية وإيران، تشير إلى أنه يتحدث وكأنه مسؤول عن هذه الدولة، أو عن منطقة الشرق الأوسط بأسرها، متجاهلاً ما ارتكبه من جرائم ضد هذه الدول، وصلت إلى درجة احتلال أجزاء من الأراضي العراقية والسورية بذريعة محاربة الأكراد والحيلولة دون قيام كيان كردي على حدود بلاده، وهو من خلال هذه الممارسات يتقمّص أدوار أجداده من السلاطين العثمانيين ويسير على نهجهم البائد بانتهاك حرمة وسيادة هذه الدولة أو تلك وبات من الواضح أن «أردوغان» يتقن تمام الإتقان أسلوب المناورة والكذب والرقص على عدة حبال في الوقت نفسه، فهو ما زال يظهر بأنه على علاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوقت الذي يُقدّم عروضه وأوراقه للرئيس الأميركي دونالد ترامب مدعياً أنه يمكن أن يضع كل جهوده إلى جانب الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب وفي دحر داعش من الرقة، لكن من جهة أخرى، يقول: إن محاربة داعش وحدها لا تكفي لدحر الإرهاب، وكأنه يريد التخفيف عن داعش؛ ما يشير بل يؤكد علاقته السرية معها، لاسيما في مجال الاتجار بالنفط الذي تسرقه من سورية والعراق، وبالآثار وغير ذلك، ولكن حبل الكذب قصير كما يقال، إذ إنه أصبح مكشوفاً للجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن