ثقافة وفن

رياضة نفسيّة

| د. اسكندر لوقا 

لم تعد لغة « نعرف أننا لا نعرف» على حد تعبير سقراط لغة مفهومة في أيامنا هذه. الادعاء بمعرفة كل شيء هي اللغة السائدة في الوقت الحالي. ولهذا الاعتبار غابت لغة التواضع. وفي الوقت نفسه، فقدت عملية التواصل بين الناس قيمتها لحساب التقوقع حول الذات وتغليب الشعور بالفوقية والتعالي عند البعض منهم.
ومعروف لدينا، كما عند قراء تاريخ البشرية، أن جميع الذين خلدهم التاريخ علماء كانوا أم فلاسفة أو أدباء أو فنانين، لم يكونوا في أي وقت، أسرى الشعور بالتفوق أو ساعين وراء التميز عن الآخرين بالمكانة أو المسكن أو اللباس أو بامتلاك الأموال والعقارات وسوى ذلك. كانوا أسوياء بكل المقاييس ومن ممارسي الرياضة النفسية، الرياضة التي تتطلب كمّا من التمارين لا يقدر عددها حتى تستقر تداعياتها في العقل ليقارب أصحابها بها أترابهم على درب الخلود. في أيامنا هذه نلاحظ على عكس ذلك، نلاحظ مدعي المعرفة بكل شيء وإن كانوا على بداية درب المعرفة، وشعارهم غالبا ما تكون الـ«أنا» التي يتاجرون بها بذريعة المعرفة وهم بعيدون عنها بمراحل.
في الزمن الراهن، الزمن الذي يتطلب منا جميعا معرفة حدودنا وألا نتجاوزها بممارسة الكبرياء والعجرفة، نحتاج إلى إعادة ترتيب أولوياتنا حتى لا نسقط في التجربة. في الظرف الراهن مطلوب منا أن نعرف ماذا نريد وماذا لا نريد، لأن هذا الظرف بات، بشكل أو بآخر، خارج سيطرة الإنسان على نفسه لاعتبارات مختلفة في مقدمها خداع الذات لا الآخر فقط بادعاء المعرفة وصولا إلى هدف مبيّت. ودائما البسطاء يدفعون الثمن لأنهم أصحاب قلوب طيبة ونيات حسنة.
وثمة أمثلة على استغلال الظرف الذي يمر به وطننا حاليا، عن سقوط ذوي القلوب الطيبة في شباك مدعي المعرفة بما كان وبما سيكون وإن كانوا على بعد أميال عما سيكون. ودائما ثمة من يدفع ثمنا غاليا لطيبته ولجهله بنيات الآخرين من شريحة المستغلين تجارا كانوا أم سياسيين أو منظرين على المستوى الخاص والعام على حد سواء.
وحين يقال إن مطية العقل التواضع، لا يمكن الرد عليه بالنفي، لأن العقل يبقى رصيد الإنسان كي يعرف ما حقيقته لا كما يصورها على هواه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن